يوسف عبد المنان

ما وراء استقالة “الدقير”


مات الوفاء وشيعت المروءة لمثواها الأخير في الحزب الاتحادي الديمقراطي وأمينه العام د.”جلال الدقير” يرمي بورقته الأخيرة أمام الذين (خانوه) سراً وعلناً وطعنوه من كل جنبات جسده.. اختار د.”جلال يوسف الدقير” الانسحاب بهدوء من الساحة وتسليم قيادة الحزب للذين نازعوه وطعنوه.. وخانوا أمانة العهد وضمير الشرف وتجلت كل أنواع وصنوف المؤامرة التي كانت “إشراقة سيد محمود” أشرف وأنزه.. وأشجع الذين قرروا في الليل البهيم إزاحة د.”جلال الدقير” من قيادة الحزب، وأن يقفزوا هم على كراسي القيادة ويقهقهون.. ولأن “إشراقة سيد محمود” مبدئية في مواقفها.. وتملك القدرة على المواجهة اختير لها دور “أزبيل كويتا” في رواية الأديب الإيطالي البرتو مورافيا” ورائعته امرأة من روما.. كانت “أزبيل كويتا” تتقدم الرجال القراصنة في عمليات السطو على السفن، ولكن عند عودتها لا تنفق ما حصلت عليه إلا على أصحاب الحاجات والفقراء والمساكين، بينما ينفق بقية أفراد العصابة ما حصلوا عليه من مال من بناء الفلل الفاخرة وتملك السيارات الفارهة.. و”أزبيل” امرأة بشجاعة يسير خلفها الرجال.. ود.”جلال الدقير” حينما بصر بعين الطبيب السياسي لعشرات القيادات (المستجلبين) من القرى البعيدة والمدن القصية ويقيمون في معسكر ينفق عليه من هم وراء “إشراقة” ما بين ستة إلى عشرة آلاف جنيه في اليوم.. وأعدت سكاكين جز العنق.. وحشدت البلاغات في مواجهته بتهمة التزوير والخيانة.. ووضع أمام خيار بتهمة التزوير والخيانة.. ووضع أمام خيار أن يكشف أسرار الدولة.. والحزب وعلاقاته بالآخرين.. ونظر لحصاد الوظيفة الذي يذهب جله للإنفاق على الحزب والحزبيين من علاج الزوجات.. وهبات للمحتاجين.. قرر وقدر وفكر وتدبر في أمره.. وجلس مع الفريق “بكري حسن صالح” في القصر الجمهوري لإعلان قرارات لها دوي في الساحة.. الفريق “بكري حسن صالح” بطريقته الهادئة وحكمته ورجاحة عقله امتص كثيراً من غضب “جلال ” وسكب الماء البارد في جسده المثخن بالجراح.. وخفف من قرارات اتخذها “جلال” بعد طول تأمل.. وما كان.. أمام د.”جلال” من خيار إلا أن يقول كلمته.. ويثبت نبله وخلقه وحسن تربيته للذين تساعدهم “إشراقة” في خطة إقصاء الرجل من قيادة الحزب.. وكان بيده اتخاذ قرارات حاسمة ولكن الرجل زهد (وقنع) فاختار أن يذهب ويسلم الحزب للذين كانوا يدبرون خطة إقصائه (صرة في خيط).
عشرون عاماً عرفت فيها د.”جلال الدقير” منذ أول لقاء في مكتب البرلماني ومهندس كثير من المصالحات بين”البشير” والمعارضين الأخ “حسن صباحي” عضو المجلس الوطني، وعرفت “محمد يوسف الدقير” وهو وكيل للراحل الشيخ “زايد بن نهيان” رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في اسبانيا، وعرفت “عثمان الدقير” الرياضي وشيخ العرب الكريم الأصيل وعرفت “عمر الدقير” الفقيه القارئ المثقف.
وعرفت “أبو بكر الدسوقي” القيادي في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني من هذه الأسرة المحترمة ذات الإرث والخلق. وطوال هذه المدة لم أجد د.”جلال الدقير” حزيناً مفجوعاً مثل ما هو حاله قبل أن يتنحى من منصبه في الحزب الذي جلب إليه المتاعب والشقاء وكاد أن يذهب به لساحات المحاكم في (اللا شيء)، إلا أطماع الرجال وخيانة الرفاق، والآن يغادر “جلال الدقير” ساحة الحزب وغداً يذهب “أحمد بلال” لمنصب مساعد الرئيس وتعود “إشراقة” للوزارة.. ولكن حتماً سيخرج “محمد يوسف الدقير” ويغادر قافلة لا يسعدها رؤيته بينهم.