العيد لنا ولسوانا
اليوم هو الجمعة السادس والعشرون من شهر رمضان المعظم، ما يعني (حسابياً) أنه لم يتبقَ على عيد الفطر المبارك إلا أيام معدودات لن تتجاوز الأيام الأربعة بأية حال، وفي كل الأحوال لن يكون يوم الأربعاء القادم أحد أيام رمضان، فهو إن لم يكن ثاني أيام العيد فبالقطع سيكون أول أيامه، ومن هنا نستطيع أن نقول إن بشائر العيد قد لاحت وهلّت، وإن العيد قد بات منا قاب قوسين أو أدنى، ولكن رغم هذا القرب فقد افتقدنا بشدة برامج فرحة العيد، تلك البرامج الخيرية التي كانت تنهض بها مؤسسات مدنية وجمعيات طوعية عديدة، كانت تحشد قواها وتعد عدتها وعتادها منذ وقت مبكر لإسعاد الفقراء والمساكين والضعفاء وذوي الدخل المحدود والمتعففين وإدخال البهجة والفرحة على نفوسهم ونفوس أطفالهم، بما توفره لهم في حدود إمكانياتها وما تستطيع أن تجمعه من الخيرين أفراداً كانوا أو شركات من كساء ومواد أو أموال توزعها بكل أمانة ونزاهة وتجرد لأكثر الأسر حاجةً في دائرة وجودها، فتوفر لهذه الأسر ما تصنع به طعامها خلال أيام العيد مع الحلوى وبعض الملابس لأطفالها، وربما لكبارها إن كان في الأمر سعة، غير أنني أستثني من الغياب برنامج (مفاتيح الجنة) بالإذاعة الرياضية، الذي ظل حاضراً وسط الغلابى والتعابى طوال الشهر الفضيل بتقديم ما يتيسر له من احتياجات رمضان لهؤلاء البسطاء، وهو يمضي الآن بذات الحضور لشحذ همم الخيرين لتقديم كسوة العيد لأطفال الفقراء والمعوزين..
صحيح أن هذا الصنيع الخير لن يتجاوز جهد المقل مهما اجتهد فيه من يضطلعون به، إلا أن أثره وصداه يبقى كبيراً، والأهم من ذلك هو أن يستمر هذا العمل على ضآلة مردوده قياساً بمساحات الفقر والحاجة والعوز الممتدة على طول البلاد وعرضها، ففي هذا الاستمرار والإصرار عليه إصرار على أن تبقى جذوة التكافل والتراحم والإنفاق على الفقراء وقضاء حوائج المحتاجين متقدةً مهما كان ضوؤها خافتاً، فإن فعل ذلك يبقى أفضل ألف مرة من مجرد لعن واقع الفقر الأليم بأقسى العبارات أو الكتابة عنه بأنصع البيان، فلا مناص للمجتمع من أن يتقدم حينما تتقاعس الحكومة، وأن يبادر ويتصدى حين تجبن وتغل يدها، فلا يكتفي بسبها وإلقاء اللوم عليها فقط، إذ لابد له أن يستنهض كل همته لتغيير واقعه البائس واستبدال يومه النكد بواقع أفضل وغدٍ أسعد، ولهذا فإنها مهمة تمتد وتتمدد في فضاء الدولة العريض من الحكومة وحتى الفرد، فمن كان عنده فضل حاجة ـــــ أية حاجة ـــــ فعليه أن يجود بها على من يحتاجها، لا أن يحتفظ بها حتى تبلى وتفنى سواء كانت هذه الحاجة آنية أو ملبساً أو مأكلاً أو مشرباً…الخ، فإذا افتقدنا هذا العام جهد المقل الذي كانت تؤديه بعض المؤسسات، فلا أقل من أن نحرص عليه كأفراد خلال ما تبقى من أيام الصيام بأن يجمع كل منا ما زاد عن حاجته أو ما ضاق عليه من ملابس أو أحذية وخلافه، ويخرج بها يبحث لها عن محتاجين لن يبذل جهداً يذكر في العثور عليهم داخل الحي أو في مكان العمل…