(الإنقاذ) في ذكراها السابعة والعشرين
أمس (الخميس) الثلاثين من يونيو، صادف الذكرى السابعة العشرين لنشأة الإنقاذ بعد انقلاب عسكري قاده ونفذه العميد أركان وقتها – “عمر حسن أحمد البشير” – وعدد من ضباط القوات المسلحة السودانية، المساندة خفية من الحركة الإسلامية ضمنت للنظام الجديدة عدم الحراك المضاد من قبل الشارع السوداني لمواجهة النظام الجديد الذي أطلق على نفسه اسم ثورة الإنقاذ الوطني.
منذ لحظة إذاعة البيان الأول وبثه من الإذاعة والتلفزيون، معلناً نهاية حقبة سياسية حفلت بالخلافات الحزبية، منذ أن تمت الإطاحة بالرئيس الأسبق المشير “جعفر محمد نميري” بعد انتفاضة شعبية اجتاحت كل البلاد، لم يتم التأسيس لفترة انتقالية بعد نهاية عهد الرئيس “نميري” الممتد من 25 مايو 1969م، وحتى 6 أبريل 1985م، عندما تسلمت القوات المسلحة بكامل قياداتها السلطة، وانحازت الجماهير الثائرة، التي لم يتخلف عنها كيان سياسي واحد، ولم يغيب عن المشاركة فيها تنظيم، وغاب عنها السند الشعبي للنظام الحاكم آنذاك، بعد أن فقد مساندة الحركة الإسلامية إثر الزج بقياداتها في السجون والمعتقلات.
جرت انتخابات حرة وشفافة بعد انقضاء أجل الفترة الانتخابية، تقدم فيها حزب الأمة بقيادة السيد “الصادق المهدي” تقدماً طفيفاً على نده السياسي التقليدي الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة السيد “محمد عثمان الميرغني” بما لم يمكن أياً من الحزبين أن ينفرد بالحكم إلا من خلال ائتلاف، فقامت حكومات وانفضت أخرى واحتدم الصراع السياسي ليصرف الأنظار عن الاهتمام بالجيش السوداني حامي تراب الوطن، وحارس تجربته السياسية، وحدث إهمال وتسويف ومماطلة في تلبية حاجة القوات المسلحة السودانية للسلاح والعتاد والمؤن، في وقت كانت في أمس الحاجة لها وللدعم السياسي، لكنها لم تجد ذلك الدعم إلا من عند الحركة الإسلامية السودانية التي اختارت واجهة سياسية باسم الجبهة القومية السودانية، التي كان يقودها الشيخ الدكتور “حسن عبد الله الترابي” – رحمه الله – والتي كانت مفاجأة انتخابات عام 1986م، من خلال عدد الأصوات التي حصل عليها مرشحوها، ومن خلال عدد المقاعد التي نالتها في الجمعية التأسيسية (البرلمان) المنوط بها وضع دستور دائم للبلاد.
عبأت الحركة الإسلامية السودانية بمكوناتها المختلفة وحلفائها من المشايخ والدعاة وأهل التصوف، عبأت الجماهير والشرائح الشعبية المختلفة لدعم قضيتين أساسيتين هما: الإبقاء على تطبيق الشريعة الإسلامية التي أعلنها الرئيس الراحل “جعفر نميري” في سبتمبر من العام 1983م، كأفضل خيار تم تأسيس الدستور الجديد عليه، ودعم القوات المسلحة السودانية، لوقف زحف جيش التمرد الذي كان يقوده العقيد المتمرد “جون قرنق” الذي كان يلتهم المناطق والقرى الواحدة تلو الأخرى، حتى أوشك على طرق بعض أبواب المدن الكبرى.
في ظل تلك الأوضاع السياسية المضطربة، وتخاصم الحلفاء والمؤتلفين على الإبقاء على الشريعة أم إلغائها بعد أن شوهوا تسميتها بـ(قوانين سبتمبر) حتى أن زعيم الحزب الأكبر – حينها – السيد “الصادق المهدي” وصفها بأنها (لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به) وفي ظل المؤامرات الحزبية والصراع على الوزارات السيادية والخدمية ومع الإهمال المتعمد أو غير المتعمد للقوات المسلحة بدأت الضائقة المعيشية تأخذ برقاب الناس، وحدث تدنٍ مخيف في خدمات الإمداد الكهربائي، وفي خدمات إمداد المياه في العاصمة وقليل من المدن التي كانت تتمتع بتلك الخدمات – على قلتها – وتضاعفت أسعار السلع، وأخذت الصحافة تتحدث عن بيع الإغاثات التي كانت تصل إلى البلاد التي تضاعفت أزماتها عشرات المرات بعد كارثة الفيضانات والسيول التي ضربت السودان في عام 1988م، واختفت كل السلع الأساسية والضرورية من الأسواق، وحدثت الندرة المصحوبة بالغلاء، مع عدم القدرة المادية لدى كثير من المواطنين للتعامل مع تلك الأوضاع القاتمة، التي شهدت أكبر حركة نزوح من الريف إلى العاصمة وبعض المدن الكبرى لتصبح أحزمة من الفقر والمعاناة تحيط بالمدن يبحث قاطنوها عن لقمة كريمة، ولكن هيهات.. وقد أصبحت هذه التجمعات البشرية الجديدة سرطاناً حول المدن يهدد أمنها وسلامها وتماسك أهل تلك الأحزمة البشرية.
وشهد السودان كله حركة (نزوح) إلى الخارج وهجرة لمقابلة تكاليف وأعباء تلك المرحلة الصعبة وتدنى مستوى التعليم وخدمات الصحة والعلاج.. فكان لا بد من تغيير، لكن هل احتفظت الإنقاذ بألقها البهي الأول؟ غداً نجيب.
اللهم احفظنا واحفظ بلادنا من كل سوء وأحفظ أمنها واستقرارها بحق هذه الأيام المباركة.. آمين.. و.. وجمعة مباركة.