ضياء الدين بلال

اكتم السر


إذا صدق ما قاله وزير الإعلام الدكتور أحمد بلال، بأن الحكومة ستواجه الشائعات الإلكترونية بالشفافية وتمليك المعلومات، ستكون إخيرا إختارت العلاج الامثل والصحيح.
ملاحظة ذكية، أوردها الاستاذ عثمان ميرغني في برنامج (طن ساب) بقناه النيل الأزرق. أن بعض المسؤولين لا يبذلون مجهودا في تجويد خطابهم الإعلامي وسد ثغراته، ويفكرون في كيفية السيطرة على النشر في أزمنة الفضاء المفتوح!
قبل فترة، تم توزريع تقرير بالبرلمان يحوي بعض المعلومات التي يصفها البعض بأنها حساسة. جهة سياسية أرادت أن تمنع النشر، وفعلت كل ما رأته ممكنا وطوع يدها، فإذا بها تفاجأ بأن التقرير قد أضيف إليه معلومات مختلفة، فقد أخذ دورته الكاملة في وسائط التواصل الإجتماعي ليلتئد قبل طباعة الصحف.
قبل سنوات، عقدت جلسة في البرلمان، أريد لها أن تكون سرية، لم أصدق نفسي حينما وجدت محررا مبتدئا في صالة العزيزة (الرأي العام)، وهو يستمع على الهواء مباشرة عبر موبايل مفتوح لأحد النواب داخل الجلسة.
الأسرار في السودان تحفظ في خزائن من زجاج،.. تسهل رؤيتها بوضوح.. ويسهل الحصول عليها بيسر. الإستعراض بالمعلومات من أوضح خصائص الشخصية السودانية.
السودانيون يحصلون على المعلومات بسرعة وسهولة، ويطلقونها بأسرع ما تيسر، وإذا لم يتمكنوا من الحصول عليها، يصنعونها كشائعة يصعب ضحدها بعد ذلك، حتى حال حضور المعلومة الصحيحة.
وللإستاذ الصادق عادل إبراهيم حمد ملاحظة بارعة، وإستشهادات ذكية، لتأكيد الفكرة. عادل يقول أن هنالك معلومة تاريخية خاطئة، وظلت تردد عبر المرويات السودانية، منذ احداث إنقلاب الشيوعين في (19) يوليو الى اليوم، وهي أن الرئيس نميري، حينما تمكن من الهروب من محتجزه بالقصر الجمهوري، وقفز من فوق الحائط، وجد الفنان الشهير سيد خليفة، وهو يقود سيارة (فلكسواجن)، فركب معه مبتعدا عن منطقة الإشتباك المسلحن بالقرب من القصر.
ملاحظة عادل أن هذه الرواية ظلت متداولة ومدونة في بعض الكتب، بالرغم من انها تعرضت لنفي مزدوج (مغلظ) من الرئيس نميري والفنان سيد خليفة معا!
الفكرة المركزية في ملاحظة عادل، أن المعلومات المغلوطة او الشائعات المختلقة أو المحورة جينيا، تكتسب قوة وصلابة مع مرور الزمن وكثرة التكرار وإعتيادية الترديد، حتى تصبح اقوى الحقائق، بل قادرة على هزيمة الحقائق في لحظات المواجهة!
في التشكيل الوزاري الأخير، ظهرت مجموعة من الوزاراء تعاني فوبيا الإعلام، وتتحاشى الإقتراب من الصحافيين.. كل شيء تريد أن يدار بعيدا عن الإعلام. و ما ترغب في نشره ترى أن يتم عبر العلاقات العامة.. يضعون الأسئلة لأنفسهم، ويجيبون عليها ويصفقون للإجابات بحماس!
المعلومات الناقصة وغير المتماسكة، والتي بها ثغرات، تمثل خطورة اكبر من الشائعات؛ بل أنها من الممكن أن تعطي الشائعات قوة، وتزيد من رواجها، ولا يجدي بعد ذلك توجية أو توضيح.
الشائعات تتمد في مساحات الصمت، والأرقام تتضخم في غياب المعلومات.