ضياء الدين بلال

ليلة ساخنة!


في خيمة الصحفيين الموسمية الرمضانية، التي تنظمها مؤسسة (طيبة برس)، تحت قيادة الصديقين العزيزين الأستاذين محمد لطيف وفيصل محمد صالح، تشرفت ومجموعة من الزملاء رؤساء التحرير بالمشاركة في ليلة ساخنة، أراد لها البعض أن تكون محاكمة من القراء للصحافة السودانية ممثلة في رؤساء تحريرها.

قلت لهم في البداية، إن أزمتنا الكبرى في السودان، سعينا الدائم لتحويل الحوار لمحاكمات، تتحول مع الشد والجذب والرغبة في الانتصار للذات والمواقف لخصومات، غالباً ما تتطور لعداءات، تحرمنا من الوصول لنقاط اتفاق ومشتركات.

دعوت في إفادتي لحوار صريح وشفاف، بلا مواقف مغلقة وآراء مسبقة غير قابلة للتغيير.

قلت: نعدكم بالحديث دون مزاعم وادعاءات.

صحيح أن الصحافة تواجه مشكلات ذات طبيعة معنية وسياسية واقتصادية، لكن المهدد الحقيقي أنها تواجه أزمة بقاء ووجود، مع ثورة المعلومات والاتصال، وأكبر دليل على ذلك توقف صحف كبيرة وعريقة في العالم عن الصدور الورقي، والانتقال الى العالم الالكتروني.

ليس بعيداً التوقع، أن تتحول الصحافة الورقية خلال (10) سنوات الى مهنة من مهن التاريخ.

لا نريد أن نقول إننا في بيئة مثالية، لكن ليس من العدل أن نحكم على الصحافة السودانية بحكم عام ومطلق، بأنها فاشلة من حيث القيام بدورها الوظيفي، وتحقيق جداوها الاقتصادية.

توجد صحف ناجحة في أداء دورها وتحقيق أرباح. وعلى الرغم من صحة مواجهة الصحافة للعديد من المشكلات والتحديات، ولكنها لا تزال تحتفظ بقدرتها على التأثير وتشكيل الرأي العام.

لا يخفي على متابع، أن من التحديات الكبرى التي تواجه الصحافة، التدخلات الاستثنائية من جهاز الأمن، بالاضافة الى إشكالات مهنية في بيئة العمل، الأمر الذي جعل المهنة غير جاذبة لأصحاب المقدرات والطموحات، وأن يتسلل اليها بعض الدخلاء متخذين من منابرها منصات للتسول والابتزاز. نعم، المهنة تعاني من المبتزين والمتسولين باسمها: لذا لا بد من اصلاح بيئتها الداخلية.

رغم الصعاب والتحديات والمظاهر السلبية، لكن في الفترة الأخيرة حققت الصحافة نجاحات كبيرة. الصحافة أدت دوراً كبيراً في مكافحة الفساد عبر مواد استقصائية قوية التأثير كقضية الأقطان التي أثارتها صحيفة (التيار)، وقضية مكتب الوالي، أو الفساد في وزارة العدل، وهما القضيتان اللتان أثارتهما (السوداني) وقضايا أخرى نشرت في صحف زميلة، بالاضافة الى أدائها دوراً كبيراً في تغيير القوانين كقانون حماية الطفل وغيره، فضلاً عن الضغط الذي مارسته الصحافة على الحكومة في تعديل الميزانية الأخيرة. كثيرة هي الاتهامات التي تُلقي على وجه الصحافة، مثل الحديث عن تحكم وسيطرة جهاز الأمن عليها، وهو حديث في عمومه غيرصحيح، رغم وجود تدخلات استثنائية للجهاز بالمصادرة والتوقيف، فلا يعقل أن يكون جهاز الأمن مهيمناً على الصحف نهاراً، ويقوم بمصادرتها ليلا. المصادرة في ذاتها تؤكد وجود مقاومة لمحاولات السيطرة والتحكم.

في مقابل ذلك، البعض يريد للصحافة أن تتحول لبؤر ثورية، تنطلق منها الثورة ضد الحكومة، فهؤلاء كذلك يمثلون خطراً على المهنة، لأنهم يقدمون مصالحهم الحزبية على واجباتهم المهنية، فيتحول الإعلام الى دعاية، والتنوير لتهييج.

نحن مع صحافة وطنية ذات مصداقية ومهنية وأخلاقية منحازة لقضايا ومطالب المواطنين وقيم المجتمع، دون أن تجعل من ذلك مساحة للتبضع السياسي بالموالاة العمياء أو المناهضة الخرقاء التي لا تميز بين معارضة الحكومة والإضرار بالدولة والوطن.