أبو الجعافر تدكتر (1)
ظللت نحو عشرين سنة أعاني من (صداع الجمعة)، سميته صداع الجمعة لأنّ العطلة الأسبوعية في منطقة الخليج كانت حتى قبل سنوات قليلة يوما واحدا فقط وهو الجمعة، ولكن ما أن صارت العطلة يومي الخميس والجمعة والسبت حتى تخلصت من صداع الجمعة وصرت أعاني من صداع الخميس، ولكن ما أن جعلوا في دولة قطر، حيث أعمل وأقيم العطلة الأسبوعية الجمعة والسبت حتى استرد صداع الجمعة موقعه بجدارة.
ثم انتبهت إلى أن اليوم الأول من أي عطلة، عامة كانت أم عارضة أم سنوية يأتيني بالصداع، فاقترح على أفرد أسرتي أن أحصل على عمل خلال العطلات الأسبوعية، لأنّ إصابتي بالصداع خلال العطلات دليل على أنني «وش بهدلة» بمعنى أنهم استنتجوا أنني صنف من البشر لا تنفع معه الراحة الجسدية.
وبداهة ما كان وارداً أن الجأ إلى الأطباء لأشكو لهم من أنني أعاني الصداع في الإجازات، لأنّ الوصفة العلاجية التي يقررونها لي هي «بلاش من الإجازات»، وهكذا جلست أحاول إيجاد تفسير منطقي لإصابتي بالصداع في أيام معينة: طيب أنا لا أحشش أو أتناول المسكرات أو القهوة ليلة في أي عطلة أو أي في ليلة أخرى، بل حتى الوجبات المسائية هي هي، يوم السبت والأربعاء والخميس وغيرهم، بس لا تنسَ يا «أبوالجعافر» أنك تزود عيار النوم حبتين في العطل والإجازات! وهكذا جربت أن أصحو من النوم في المواعيد المبكرة المعتادة أيام العطل، وكانت النتيجة مدهشة. اختفى صداع العطلات، وبعبارة أخرى استنتجت أن الصداع كان ينجم عن خلل طارئ في برمجة جسمي، وكان منشأ الخلل النوم ساعات إضافية، على غير ما اعتاد عليه جسمي في بقية أيام الأسبوع والشهر والسنة.
ولم أخبر أحداً باستنتاجي الغريب هذا إلى ن قرأت كلاماً يفيد بأن استنتاجي صحيح، في مواد نشرتها الصحف البريطانية خلال فعاليات أسبوع التوعية بالصداع النصفي migraine awareness week حيث جاء في إحدى النشرات أن الراحة مدة لم يعتدها الجسم قد تسبب الصداع تماماً كما الإجهاد. فمن يصحُو متأخرا في أيام العطلات يغير برنامج النوم ومواعيد الإفطار وتناول الشاي، مما يربك الروتين الذي اعتاد عليه الجسم.
وعانيت قبل سنوات من ألم شديد في الرسغ الأيسر أي نقطة التقاء الكف بعظمة الذراع ولجأت إلى أطباء العظام والجهاز العصبي الذين صوروا مفصل يدي بالأشعة السينية والميمية والنونية، وفشلوا في اكتشاف سر العلة، وصرت أستخدم الدهانات ذات الرائحة النفاذة لتهدئة الألم، مما أدى إلى تسيب في حنفية أنفي فصارت تسيل منه مواد #@+*& لا مؤاخذة، ثم جلست أفكر: لماذا هذا الألم في اليد اليسرى وليس في اليمنى رغم أن كلتيهما من مواليد اليوم نفسه والشهر والسنة؟ ثم تذكرت أنني لا أطيق الحر، وأن مكيف السيارة عندي أهم من الفرامل «البريك أي الكوابح»، وأن المسافة بين الفتحة اليسرى لمكيف السيارة واليد لا تزيد على 20 سنتمترا، مما يجعل ذلك المكيف يضرب في الرسغ مباشرة، واليد اليسرى لا تبارح عجلة القيادة مطلقاً، بينما قد تستخدم اليمنى لتغيير ناقل السرعة أو استخدام الموبايل أو نتركها مرتاحة بعيداً عن تلك العجلة، وهكذا عطلت فتحة التكييف اليسرى في السيارة وبدأ الألم في التلاشي إلى أن زال تماماً.
لا أقصد أن أنصح القارئ بعدم اللجوء إلى الطب إذا ما عانى من علة ما، بل بمراقبة عاداته اليومية والسلوكية، أولاً لأنّ ذلك يساعده ويساعد الطبيب على اكتشاف مسبب العلة وطرق الشفاء منها أو تخفيف ويلاتها