الجنوب.. وعلى نفسها جنت “براقش”!!
الحرب التي تدور بدولة جنوب السودان بين القبائل المختلفة لن نقول إلا “على نفسها جنت براقش”، فأبناء جنوب السودان وقبائلهم المختلفة كانوا يعيشون في وطن واحد قبل أن يستعجلوا الانفصال ولم يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، كما يقولون، بل كانوا أبناء وطن واحد حتى أحياناً يتطاولون على إخوانهم الشماليين ويضربونهم، ويقف الأخوة الشماليون عاجزين عن الرد، ليس خوفاً منهم ولكن احتراماً لهذا الوطن.
إن الحرب في الجنوب التي امتدت لأكثر من خمسين عاماً وقفت بعد اتفاقية “نيفاشا”، لكنها لن تتوقف أبداً بين البلد الواحد أو أبناء الجنوب أنفسهم، فالقبلية واحدة من أسباب هذا الصراع الذي يدور الآن، فكل قبيلة لا تعترف بالقبيلة الأخرى، “الدينكا” لا يعترفون بـ”الشلك”، و”الشلك” لا يعترفون بـ”النوير”، وهكذا كل قبيلة تعدّ نفسها هي القبيلة الأولى التي يجب أن تطاع وهي الآمرة والناهية، لذلك لا نتوقع أن تتوقف هذه الحرب كما توقفت في الدولة الواحدة حينما حدث الاتفاق، فالسلاح في أيدي قادة الحرب، والسلاح عند الصغير والكبير، وأحياناً عندما يعجز البعض عن المنطق يتحدث السلاح، فهذا يقتل ذاك وتتجدد المعارك بين الأطراف المتصارعة، فإذا ما حلت مشكلة طرف اندلعت الحرب من الطرف الثاني.. هذا بالإضافة إلى الأمية.
الرئيس “سلفاكير” عندما تولى قيادة دولة الجنوب بعد رحيل الدكتور “جون قرنق” لم يعمل لمستقبل الجنوب بعد الانفصال، ولم يوحد القبائل المختلفة، بل جعل الصراع يندلع بين قبيلته الأم مع قبيلة نائبة الدكتور “رياك مشار”. “سلفاكير” لم يضع يده فوق يد نائبه “مشار” للخروج بدولة الجنوب من الأمية والجهل والتخلف إلى رحاب العلم والنهضة والبناء، لكن كل التفكير كيف تسيطر هذه القبيلة على زمام الأمر بالجنوب كله وليس جوبا أو واو، ونعلم تماماً أن أبناء الجنوب خاصة المتعلمين منهم ما زالوا يضمرون الشر لبعضهم البعض، لذلك كلما انطفأت نيران الحرب هنا اندلعت في منطقة أخرى، فهيبة الدولة انعدمت تماماً وانعدمت الثقة بين الجميع، وانعدام الثقة بالتأكيد سيساعد على تجدد الحرب، خاصة أن الدولة ما زالت في طور التشكل والنمو، ومن هو في هذا الطور يحتاج إلى المساعدة حتى يقف على قدميه.
نحن في الشمال لا نريد أن يحترق الجنوب ولا نريد أن تنهار الدولة فيه بقدر ما نريد لهم الاستقرار والأمن، لأن إفرازات الحرب في الجنوب سيكون لها انعكاس سالب علينا في الشمال كتدفق اللاجئين والهاربين من نيران الحرب، لذا لا بد أن تجمع دولة الشمال الأطراف المتنازعة في الجنوب الرئيس “سلفاكير” و”مشار” وبقية القيادات الأخرى للوصول لاتفاق ينهي هذه الأزمة حتى يستقر الجنوب والشمال، ويستفيد الطرفان من الموارد الموجودة بترول ومعادن أخرى، بدل اشتعال الحرب واستمرارها بهذه الصورة المخيفة.