الطاهر ساتي

شخصنة المؤسسية


:: ومن غرائب الأخبار، إدارة المؤسسات العلاجية الخاصة بوزارة الصحة بالخرطوم تسمح بإستئناف العمل بمستشفى فؤاد و توافق على تجديد الترخيص لمستشفى الأطباء .. وكانت هذه الإدارة قد أغلقت فؤاد و الأطباء – في شهر مايو الماضي – لمخالفتهما بعض النظم الصحية ومنها نقص في الكوادر والأجهزة الطبية ولعدم التعاون في تسليم الوزارة ملفات بعض المتوفين للتحقيق فيها .. ولو أن أسباب العقاب صحيحة – ونشك في ذلك – فان حجم العقاب معقول و(مبرر).. ولكن الغريب في الأمر – وما يثير الشك في حجم العقاب – أسباب رفع العقاب .. !!
:: كما يقول نص الخبر، وافقت الوزارة على رفع العقاب – عن فؤاد والأطباء – بعد أن وافق مالكهما على التنازل عن الدعوة القضائية التي رفعتها ضد الوزارة تظلماً من العقاب.. وعليه، يجب أن نكتب الخبر على النحو الآتي : ( خوفاً من أحكام المحكمة، وزارة الصحة بالخرطوم تتراجع عن معاقبة مستشفى فؤاد ومستشفى الأطباء)، وليس هناك أي تفسير آخر .. لو كانت هناك مخالفات تستدعي العقاب بالإغلاق وعدم تجديد الترخيص لحكمت المحكمة لصالح (وزارة الصحة).. ولو لم تكن هناك مخالفات ترتقي لمستوى الإغلاق وعدم تجديد الترخيص، لحكمت المحكمة لصالح مالك (فؤاد والأطباء) .. ولأن الوزارة غير مطمئنة على سلامة عقابها – أو لأنها على يقين بخطأ عقابها – تراجعت و (لحست عقابها)، خوفاً من المحكمة ..!!
:: وبما أن البروف مأمون حميدة متهم من قبل الكثيرين بأنه يستهدف المشافي الخاصة المنافسة لمستشفى الزيتونة عبر لائحة المؤسسات العلاجية الخاصة، فأن مثل هذه المواقف – البايخة – تُرجح ( كفة الإستهداف).. ما كان على وزارته أن تنتهج نهج ( شطب البلاغ مقابل رفع العقاب).. وكان على البروف مأمون أن يكون حريصاً على المسار القضائي حتى يكسبه وينفي تهمة الإستهداف عن نفسه أو يخسره ثم يعتذر – لملك فؤاد والأطباء وكل المشافي الخاصة – على الإستهداف أو سوء التقدير.. فالإنسحاب من سوح المحاكم في مثل هذه القضايا الحساسة (غير حميد) .. وكانت فرصة ذهبية بحيث يقف الرأي العام على عدالة لوائح الوزارة وسلامة تنفيذها أو على ظلم لوائح الوزارة و سوء تنفيذها.. ولكن بنهج شطب البلاغ مقابل رفع العقاب، دفنت الوزارة (أعناق الحقائق)..!!
:: وبعد شكاوى فؤاد والأطباء، ثم شكاوى مشافي أخرى خاصة، إنتبهت السلطات العليا لعدم وجود قانون ينظم المشافي الخاصة في البلاد.. تخيلوا، لولا هذه الشكاوى لما إنتبهت السلطات لغياب هذا القانون ( المهم جداً).. فالمشافي الخاصة تنظمها لوائح بوزارات الصحة الولائية، وهي – مثل معظم اللوائح – تضج بالعيوب و التقاطعات مع القوانين والدستور، وكذلك تعاني من الإستخدام بسوء التقدير أو ( بالمزاج).. و أن يأتي قانون مركزي لينظم عمل كل المشافي الخاصة في السودان ( شئ جميل).. ولكن – وهنا المحك – يجب أن يأتي هذا القانون للتنظيم وليس (للإنتقام أيضاً).. وقلتها – في زاوية البارحة – بأن مصادر القوانين هي أهل الشأن في المجتمع المستهدف بالقوانين وليس السلطة الحاكمة.. !!
:: وعليه، يجب توسيع دائرة النقاش حول هذا القانون المرتجى بحيث تشمل الأطباء و شُعبة المشافي وخبراء الطب والقانون قبل (مجلس الوزراء والبرلمان).. ولو خرجت مسودة القانون من مكتب الوزير أبوقرده والوكيل عصام – مباشرة – إلى المجلس والبرلمان، فهو لن يختلف كثير عن اللوائح الولائية المشكوك في نزاهتها .. الدول الناهضة تشكلها حزم المؤسسات، فإرتقوا بالناس والبلد إلى عوالم المؤسسية، وكفى إختزالاً للمؤسسية في ( ذواتكم )..!!