ابوشنب ابرم شنبك ودع الحنكشة يا بركة
في معرض تأكيده على نهاية عهد التمكين والتمتين، أذكر أن الرئيس البشير قال مرة بالصوت العالي (تاني مافي أولاد مصارين بيض)، وأولاد المصارين البيض هؤلاء الذين أعلن الرئيس نهاية عهد سطوتهم ودلالهم وتنعمهم لم يكونوا غير شباب المؤتمر الوطني (يعني حيكونوا أولاد الحزب الشيوعي)، وعبارة (أولاد المصارين البيض) التي استخدمها الرئيس هي تعبير سوداني قديم كان يطلق على الأولاد المحظوظين الذين يجدون الحب والحظوة من أسرهم المنعمة أو المتنفذة، التي تستجيب لكل رغباتهم ومطالبهم، وتحميهم من كل من تسول له نفسه إلحاق الضرر بهم وتغفر لهم زلاتهم مهما بلغت. فهو إذن يعني فئة مخصوصة ومحظوظة من البشر لا تنطبق عليها معايير الخطأ والصواب التي يحاسب عليها أبناء غمار الناس، ولكن رغم مرور زمن طويل على حديث الرئيس بشأنهم، إلا أن حادثة الألفي أو الخمسمائة دكان أو طبلية ـــــ لا فرق ـــــ التي حازها أحد شباب المؤتمر الوطني، تشير إلى أن (أولاد المصارين البيض) لا يزالون يتمتعون بالدلال والحظوة، ويحظون بالحب والرعاية، ولهذا تجدنا مع المعتمد أبوشنب قلباً وقالباً في حربه على أوكار الفساد ودكاكينه وطباليه..
وعلى نقيض مثال المعتمد أبوشنب، صدمنا إقدام والي غرب كردفان لعقد ورشة لمناقشة تصميم خريطة منزل الوالي والاستراحة الملحقة به، هذا تصرف أقل ما يوصف به أنه ينطبق عليه قول الحق تعالى (وبئر معطلة وقصر مشيد)، فالوضع المزري والحال التعيس الذي عليه ولايته التي تعاني الفقر والإملاق، كان هو السبب الذي دفع الولاية سابقاً لفرض رسوم وجبايات على أكثر من مائتي سلعة صغيرة من النوع الذي يتاجر فيه أصحاب (التشاشات) والفرّاشات والفرّاشين، بما فيها حطب الطلح الذي تستخدمه السودانيات كـ(ساونا) تقليدية بلدية وتميزن به، وهذا مبلغ عظيم من فقر الموارد، هذا الذي جعل هذه الولاية تلهث وراء أي قرش ولو تنتزعه من بين يدي فرّاشة مسكينة تعرض أمامها كومة من حطب الطلح أو الشاف أو الكوليت، ولعلها لم تستثنِ حتى من يعرض كوليقة قش أو قصب من النوع الذي يُبنى به (الكوزي) أو (الدردر) أو القطية، وهي المساكن التي تشتهر بها تلك الأصقاع، ومشكلة هذه الولاية في هذا الجانب مركبة ومضاعفة، فعلاوة على ما تعانيه مع غيرها من الولايات الأخرى من فقر الموارد المحلية وضعف الدعم المركزي، أنها ولاية تحت الطلب وغير مستقرة، تظهر وتختفي حسب الحالة السياسية لمن بيدهم الأمر، يقولون لها كوني فتكون، ثم في حالة أخرى مناقضة للأولى يشطبونها من قائمة الولايات ويلحقونها بولاية جنوب كردفان وهكذا دواليك، هذا التأرجح الفيدرالي أصابها بحالة (إندراوة) اختصت بها دون غيرها، مما أحوجها إلى خصوصية في التعامل ونظرة خاصة من المركز، وإذا لم تنعم بهذه النظرة فالمتوقع ربما يكون أسوأ من فرض رسوم على حطب الطلح، والله يستر على العدة، كما قال الكوميديان عادل إمام وهو يسخر من الرسوم الباهظة التي فُرضت على مكالماته التليفونية، مع أنه في الأصل لم يكن يملك تليفوناً.. ومع هذا الحال الذي يغني عن كل سؤال كيف بالوالي أن يفكر في بناء منزل واستراحة تكلفان عشرين ملياراً؟.