د. فيصل القاسم

هل نحن فعلاً دواعش أم فواحش؟


لا أدري لماذا يحاول الإعلام الغربي دائماً تصوير العرب على أنهم نسخة طبق الأصل عن أعضاء تنظيم القاعدة سابقاً وتنظيم داعش حالياً، مع العلم أن السواد الأعظم من العرب لا يتدعشن، بل «يتفحشن»، بدليل أن العرب ينفقون مليارات الدولارات منذ سنوات وسنوات لتحويل الشباب العربي كله إلى راقصين وراقصات وماجنين وماجنات. لاحظوا أن العرب يقومون بمهمة التغريب نيابة عن الغرب وبفلوسهم الخاصة. ولو كنت مكان الغربيين لما أنفقت دولاراً واحداً على وسائل إعلام موجهة للعالم العربي للترويج للثقافة والأفكار والسياسات الغربية وتوجيه العرب بالاتجاه المطلوب غربياً. لماذا؟ لأن الكثير من وسائل الإعلام العربية تقوم بذلك نيابة عن الخارج، وبنجاح كبير، هذا فيما فشلت الوسائل الغربية في اختراق الشارع العربي.
لقد بات العديد من وسائل إعلامنا الفنية والسياسية والثقافية تتهافت على إطلاق القنوات الفضائية وإنفاق الملايين عليها لنشر القيم والنماذج الأجنبية بلسان عربي، ووجوه وأقلام عربية «بالأرطال» على حد وصف نزار قباني. وأصبحت السماوات العربية تعج بالقنوات المخصصة للأفلام والبرامج الغربية تحديداً. ولا داعي للحديث عن القنوات العربية الفنية التي تقدم الفن العربي بروح وإيقاعات الغريبة لا تخطئها أذن ولا عين. إنه الجزء الثقافي المطلوب الآن لإعادة تشكيل المجتمعات العربية على الطريقة الغربية، خاصة أن المجتمعات هي في النهاية نتاج سياسات إعلامية وثقافية واجتماعية مدروسة بدقة، فنحن في آخر النهار، على ما يبدو، لسنا أكثر من فئران تجارب، مطلوب منا أن نغير نمط حياتنا وثقافتنا وحتى معتقداتنا بين عقد وآخر كي تتماشى مع المتحكمين بنا خارجياً.
قبل أقل من نصف قرن من الزمان، وهي فترة قصيرة جداً في عمر الشعوب، سنـّت أمريكا ومعها بعض القوى الغربية المتحكمة بمنطقتنا جغرافياً وديمغرافيا وثقافياً وإعلامياً ما يشبه الفرمانات والمراسيم الملزمة غير المعلنة لبعض دولنا كي تتبع نظاماً إسلامياً متزمتاً ومناهج تعليمية متحجرة، لأنها وجدت في مثل هذا النظام الوسيلة الأنجع للوقوف في وجه الخطر السوفييتي. بعبارة أخرى فإن المجتمعات العربية ذات التوجه الإسلامي كانت بمجملها ضرورات أملتها العوامل الخارجية أكثر منها المتطلبات الداخلية. وسيكشف لنا التاريخ أنه حتى بعض أنظمتنا الإسلامية كانت من صنع وتوجيه غربي.
لقد دأبت بعض الأنظمة العربية منذ أكثر من خمسين عاماً مثلاً على بناء ما تزعم أنه مجتمعات إسلامية الطابع وجندت لها ميزانيات هائلة كي تكرسها وتقويها وتثبت أسسها من خلال وسائل إعلام ونظم تعليمية «متأسلمة».
وقد كان الهدف من كل ذلك في واقع الأمر ليس إقامة مجتمعات إسلامية، بل من أجل صد التغول الشيوعي في المنطقة العربية الذي كان ينافس الهيمنة الأمريكية. وقد تطور هذا المجتمع الإسلامي المزعوم في ذروة الصراع السوفييتي الأمريكي في أفغانستان كي يزود من يسمون بالمجاهدين الأفغان بمزيد من المقاتلين العرب العقائديين من أجل طرد «الغازي السوفييتي». وقد تبين فيما بعد أن الاستخبارات الأمريكية ومعها بعض الأجهزة العربية كانت وراء هذه اللعبة القذرة التي راح ضحيتها الآلاف من المضحوك عليهم من السذج العرب. وقد كان الهدف الأول والرئيسي من تلك الحملة «الإيمانية» الملعوبة جيداً طرد المحتل السوفييتي من أفغانستان كي يحل محله الأمريكيون فيما بعد بطريقة منظمة وملعوبة كالشطرنج في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
لم يعد الإسلام القديم مطلوباً بعد أن تخلصت أمريكا من عدوها التقليدي، الشيوعية، وبالتالي لا بد من تفكيك المجتمعات التي عاشت على الأصولية لعقود كي تتغير مائة وثمانين درجة لمواكبة السياسة الأمريكية التي لم تعد تناسبها النظم الاجتماعية التي أمرت بقيامها ودعمتها في النصف الثاني من القرن العشرين.
من هو المخول والقادر إذن على القيام بهذه المهمة التفكيكية للمجتمعات العربية المطلوب إعادة تركيبها؟ إنه الإعلام، وليس أي إعلام، بل الإعلام الترفيهي المعتمد على إثارة الغرائز، خاصة أن المهمة أمامه شاقة للغاية. فليس من السهل تحويل اتجاه المتزمتين دينياً باتجاه العولمة الأمريكية إلا بفضائيات مغرية ذات طابع ومحتوى غربيين مليئة بـالأفلام الفاقعة بعنفها وإبهارها لتميعه فنياً وغنائياً وتغريبه، إن لم نقل أمركته.
ارحمنا إذاً أيها الإعلام العالمي المتحامل، وتوقف عن وصمنا بالدعشنة! صدقني أننا نكرس قسماً هائلاً من ميزانياتنا لتمييع شبابنا وشاباتنا ودفعهم باتجاه الفواحش…وليس الدواعش.