الطاهر ساتي

المديدة حرقتني


:: لو نجح الإنقلاب – على الديمقراطية – في تركيا، كما حدث في مصر، لكان البيان هنا : ( هذا شأن داخلي، ونحترم إختيار الشعب التركي ومؤسسته العسكرية)، ولكن فشل الإنقلاب، ليباركوا – هنا طبعاً – إنحياز الشعب ومؤسسته العسكرية للديمقراطية .. وأسباب فشل الإنقلاب هي الدروس التي قدمتها تركيا لكل دول العالم، بما فيها السودان ومصر ..السودان ومصر، أحدهما زغردت حكومته – ورقصت أبواقها الإعلامية – طرباً بالإنقلاب على الديمقراطية..والآخر هللت حكومته – وكبرت أبواقها الإعلامية – طرباً لفشل الإنقلاب.. كلاهما، بهذين الموقفين المتناقضين، يُعبر عن ( ليلاه )، وهي – للأسف – ليست ليلى تركيا..!!
:: بالخروج إلى الشوارع والميادين – لإعاقة حركة جنود ودبابات الإنقلاب – رغم أنف بيان حظر التجوال، بهذا الخروج العفوي والسريع والمباغت قدم الشعب التركي درساً بليغاً لكل الشعوب الأفروعربية – بمن فيها شعبي السودان ومصر – ليتعلموا معاني التضحية بالخلافات السياسية والفكرية والثقافية و تجاوزها في سبيل حماية الديمقراطية وإختيار الشعب التركي.. وكذلك القوى المعارضة لحزب العدالة ونخبها الإعلامية ، كانت – ولا تزال – النموذج المثالي للمعارضة التي تفتقدهما السواد الأعظم من الدول الأفروعريبة، بما فيها السودان ومصر ..!!
:: في السودان ومصر، المعارضة ونخبها تسمى الإنقلابات – على الديمقراطيات – بالثورات.. ثم تحشد الجماهير الساذجة والإعلام والشعراء والمطربين ليلبسوا الإنقلاب – على الديمقراطية – ثياب الثورية والإصلاح، أو كما حدث في مصر ما بعد مرسي، وكما يحدث في السودان منذ الإستقلال و إلى يومنا هذا.. فالمعارضة التركية – وقواعدها ونخبها الإعلامية – لم تعد تشبه معارضات الأنظمة الأفروعربية، بما فيها السودان ومصر.. أي لم تستقبل قادة المحاولة الإنقلابية ب ( يا حارسنا، يا فارسنا)، ولا ب ( يوم الجيش للشعب إنحاز)، بل كظمت إختلاف الرؤى والأفكار والبرامج ثم إنحازت لإختيار الشعب وإستنكرت الإنقلاب بذات قوة إستنكار الحزب الحاكم ..!!
:: وقادة الجيش التركي، ( فعلا قادة)، وضربوا أروع الأمثال وقدموا أقيم الدروس للجيوش الأفروعربية ببما فيها جيشي السودان ومصر، بحيث لم يشذ من قادة الجيش قائد ليقصم ظهر الديمقراطية وحرية الشعب في إختيار حكومته، بدليل أن قائد الحركة الإنقلابية برتبة (عقيد).. وزير الدفاع هناك، نقيض ما حدث بمصر، إنحاز للديمقراطية وكان أحد حماتها .. وكذلك هيئة الأركان، نقيض ما يحدث في السودان منذ الإستقلال، إنحازت للديمقراطية وكانت إحدى حماتها .. أردوغان لم ينجح في دحر الإنقلاب – على الديمقراطية – بإنجازات حكومته كما يظن البعض، بل نجح في هذا الدحر بصدق وإخلاص وأمانة (قادة الجيش)، وكذلك بوعي الشعب ثم بسلامة مبادئ القوى المعارضة ..!!
:: فالدول الأفروعربية، بما فيها السودان ومصر، شعباً وجيشاً ومعارضة وإعلاماً، بحاجة إلى قراءة هذا الحدث التركي (كما يجب)، أي كما تهوى مبادئ الحياة الأساسية، وليست كما تهوى أجندات الأحزاب و الشخوص (الذاتية والأنانية).. و تركيا اليوم، شعباً وجيشاً ومعارضة وإعلاماً، لا تبالي برد فعل السودان ومصر على ما حدث في ليلة السبت.. فالمعايير التركيية لقياس ردود الأفعال أكبر وأعظم من أن يكون منها معيار( المديدة حرقتني)..!!