عبد الجليل سليمان

تركيا الأردوغانية مرة أخرى


على هامش أحداث تركيا الأخيرة يتبدى العنف والإزاحة والتخوين والاتهامات والضجيج الهائل، وشعار رابعة العدوية ينتقل إلى ميدان تقسيم، إلا أن الحقيقة تظل مختبئة في المتن المنسي، وهكذا ولذلك، كتبنا أمس هنا تحت عنوانٍ اخترناه بعناية وحذر شديدين (ديمقراطية ولو بأردوغان)، لنأتي اليوم إلى متن الأحداث حتى لا نتستغرق في هامشها أو يستغرقنا.
بطبيعة الحال، فإن رجب طيِّب أردوغان ظل يجترح خطابًا حادًا وصِداميّاً إزاء الخارج والداخل، سرعان ما يتراجع عنه إلى نقيضه، كما ظل يتعامل مع النظام الديمقراطي وما يوفره من آليات بطريقة فيها الكثير من الانتهازية السياسية، وهذا دأب تيارات الإسلام السياسي كافة، خاصة (الإخوان المسلمين) الذي ينتمي إليه الرجل.
المتابع لأداء الرجل في السنوات الأخيرة خاصة، لن تُخفى عليه التناقضات الكبيرة التي تسِمه، وهنا نشير خطفًا إلى تحول عدائه السافر لروسيا وإسرائيل على مستوى الخطاب واللفظ بين عشية وضحاها إلى صداقة وتعاون على مستوى الفعل، إذ أن ساعات قليلة فقط فصلت بين بين اعتذاره لفلاديمير بوتين وإعلان الرسميّ عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. كل ذلك للوهلة الأولى، ومن جهة ما، كأنه براغماتية سياسية، لكنه أيضًا وبالنظر إلى إحشائه وفحصها جيدّاً لن ينجو من كونه صادرًا عن سلوك عصبيّ ومنفعل، ظل سمة لجل رموز وقادة ومفكري تيارات الإسلام السياسي سواء أكانوا في الحكم أو المعارضة، إلا أن عصبية أردوغان وانفعالاته أكثر تضخمًا ووضوحًا لجهة أنها تتحرك في الأساس وفق فائض تاريخيّ غير منظور أساسه (القومية التركية) و(السلطنة العثمانية)، لذلك ربما، لم يجد حرجًا في أن يلوح بشكل مفاجئ وبذات اللغة المنفعلة العمياء بخطة لتوطين اللاجئين السوريّين في تركيّا، ومنحهم جنسيتها، وهذا ما أكده لاحقًا رئيس وزراءه (بن علي يلدريم) عندما كان يتحدث عن ضرورة استعادة تركيا لعلاقات جيدة مع الجوار خاصة سوريا والعراق.
والحال هذه، فإنه ينبغي الإشارة هنا إلى أن أردوغان والعدالة والتنمية الذي يتمتع بشعبية كبيرة، خاصة في الأناضول، يتحملان مسؤولية أخلاقية إزاء المحاولة الانقلابية لا تقل عن المسؤولية (العملانية) للعسكر الذين حاولوا إطاحته، فهو من جانب يمضي في المسار الديمقراطي المدني للدولة التركية من رئيس وزراء إلى رئيس للدولة، ويحاول عبر هذا الانتقال أن يأخذ معه كل السلطات التنفيذية الخاصة برئاسة الوزارة إلى الرئاسة فيدعو إلى تغيير شكل الحكم من برلماني إلى رئاسي كي يظل قابضًا على مفاصل الدولة ويضع الآخرين تحت ظله، يتوسل إلى ذلك خطابًا غيبيًا دينيًا ليدغدغ به مشاعر الجمهور ويقضي به على خصومه خارج حزبه وداخله، وليس أدّل على ذلك أنه وعقب فشل المُحاولة الانقلابية، اعتبر الأمر (فرصة من الله) لتطهير صفوف الجيش.