الطاهر ساتي

سنة أولى دولة


:: نُعيد الي ذاكرة القارئ تظلم وزير التجارة الخارجية في عهد الحكم الثنائي ( نيفاشا) .. ظل هذا الوزير والقيادي بالحركة الشعبية يشكو حال وزارته لطوب الأرض بعبارته الشهيرة : (وزارتي شلعوها).. وكانت تلك إشارة واضحة بأن سيادته وزير بلا سلطات.. لقد تسربت من وزارته كل المؤسسات والسلطات ذات الصلة بحركة التجارة الخارجية، كالمواصفات والمقاييس وغيرها، وصار سيادته وزيرا (بلا وزارة)..أو هكذا ظل يشكو للصحف .. ثم غادر مع الجنوب..و الي اليوم هذا، لم تسترد وزارة التجارة تلك (السلطات المنزوعة )..!!

:: ثم كان هناك وزيراً آخر يبكي دماً.. كان يتظلم للصحف أيضا .. وزير الاستثمار السابق ..كان يقول سيادته نصا : (وزارتي عاطلة).. أوهكذا جاء نص التظلم في صحف عهده.. و لو كان سيادته أحسن التعبير لقال : (أنا أيضاً عاطل).. ولكنه اكتفى بوصف الوزارة وحدها بالعطالة.. فالسلطات والصلاحيات كانت مهدرة في الولايات غير المسؤولة والتي لا تتقن فن تشريد المستثمرين .. ولكن بالقانون الآخير، إستردت وزارة الإستثمار الإتحادية بعض سلطاتها وفارقت دنيا ( العطالة).. !!

:: واليوم أيضاً، وزارة الصحة الإتحادية ( بلا سُلطات ).. لقد تم تجريدها من سلطة الإدارة الدوائية بتدمير إدارة الصيدلة بإنشاء (المجلس القومي).. فالمجلس خارج سلطات – وحوش – الوزارة، بحيث لم تعد للوزارة الإتحادية – على المجلس – غير (سلطة الإشراف).. وكذلك لم تجريدها من سُلطة الإمدادات الطبية بإنشاء هيئة ثم صندوق الإمدادات الطبية خارج سلطات – و حوش – الوزارة ، بحيث لم تعد للوزارة الإتحادية – على الصندوق – غير (سُلطة الإشراف)..وهذا لا يحدث إلا في السودان فقط.. وزير الصحة الإتحادية لا يملك سلطة الإعفاء والتعيين في المجلس والصندوق.. ( يقترح و يرشح فقط)، ليقبلوا الإقتراح والترشيح أو .. (يرفضوهما)، كما يحدث دائما ..!!

:: ثم الأدهى والأمر، وكأول سابقة في تاريخ البشرية، تم تجريد وزارة الصحة الإتحادية من سُلطة إدارة المشافي التعليمية والمرجعية بالبدعة المسماة ( أيلولة).. ولأهل هذا الزمان عبقرية في صناعة المصطلحات المراد بها تدمير المؤسسات والمؤسسية.. ويوم الأيلولة نصحنا مجلس الوزراء بالإبقاء على سلطة الوزارة الإتحادية في المراكز القومية و المشافي التعليمية والمرجعية، وأن تذهب خدمات الرعاية الأولية والثانوية للولايات، أي المراكز الصحية و (الشفخانات).. ولكن ( كلام القصير ما مسموع)، كابروا وقرروا أيلولة كل المشافي إلى الولايات، بما فيها المرجعية والتعليمية .. !!

:: فالقرار لم يكن منطقياً، فالتعليم العالي (مركزي)، ومن الطبيعي أن تظل المشافي التابعة للجامعات (مركزية)، ليكون هناك تنسيق ومتابعة ما بين (الوزارتين المركزيتين)، بعيداً عن سلطات الولايات ..وكذلك لم يكن منطقياً تجريد الوزارة الإتحادية من سلطة إدارة المشافي المرجعية و المراكز القومية التي تستقبل المرضى من كل أرجاء البلاد .. في طول الدنيا وعرضها، وزارات الصحة الإتحادية هي المسؤولة – بالإدارة والتمويل – عن هذه المرحلة العلاجية، بيد أن السلطات الولائية تكتفي بإدارة وتمويل مراحل العلاج الأولية والثانوية ..!!

:: نصحناهم – في عام الأيلولة – بالوقوف على تجارب الآخرين والإقتداء بها، ولكنهم – كالعادة – لم يتستبينوا النصح إلا (ضحى الأمس)، حيث إجتمع المجلس الإستشاري بالوزارة الإتحادية وطالب بمراجعة (قرار الأيلولة) .. أخيراً، وكأن الواقع يقول ( سنة أولى دولة)..!!