جمال علي حسن

الانتقامية والديموقراطية لا تجتمعان في قلب رجل واحد


الديموقراطية لا تحتمل أية قسوة أو تجاوز قمعي بمبررات حمايتها وتحصينها، فهي منظومة عالية الحساسية تجاه أفكار القمع والانتهاكات بكافة صورها وأشكالها، لذلك فإن الكثير جداً من المناصرين للحكومة الشرعية في تركيا من الداخل والخارج لحظة ذيوع خبر محاولة الانقلاب على حكومة أردوغان والمدافعين عن الشرعية الديموقراطية معظمهم استاء بشدة من حجم حملة رد الفعل والتصفيات التي لم تنتظر قاضياً ولم تصبر على نتائج تحقيق أو أحكام القضاء ففتح أردوغان سجناً واسعاً لآلاف الجنود والضباط من الجيش التركي في حملة وصفها الكثير من المراقبين بأنها حملة عشوائية متخبطة ومبالغ فيها وأنها تعبر عن توجهات نظام أردوغان لتصفية خصومه بطريقة لا تتناسب مع مبادئ الديموقراطية ودولة القانون .
صحيح أن الحدث كان مؤثراً وخطيراً وتداعيات المحاولة الانقلابية أودت بحياة المئات من المواطنين ورجال الشرطة لكن الهجمة المرتدة من النظام التركي الذي استعاد سيطرته على الأوضاع بعد وقت وجيز جداً كانت هجمة عنيفة لم تترك لنفسها وقتاً يجعل الرأي العام يستوعب منطق الاتهام القانوني والاشتباه في كل هذه الأعداد الكبيرة من المعتقلين بتهمة المشاركة في المحاولة الانقلابية .
كان على نظام أردوغان وهو نظام شرعي ومنتخب في دولة مؤسسات ودولة قانون ودولة ديموقراطية، كان عليه أن يتريث قليلاً ويدير مهمة تأمين وحماية الديموقراطية بمنطق قانوني مؤسسي لا غبار عليه ولا تشكيك في أهدافه بعيداً عن الانفعال والانتقام.
نظام أردوغان كما قلنا من قبل لم تسعفه وتحمه لحظة الحدث بندقية أو عصا باطشة بل حمته شرعيته الديموقراطية نفسها وحماه الشعب التركي الذي خرج مدافعاً عن مكتسباته الحضارية وحقوق مواطنته وحريته وحقوقه السياسية .
لذلك لم يكن هناك مبرر لكل هذا الخوف والتخبط والتوجس الذي بات يشعر به نظام أردوغان بعد المحاولة الانقلابية.
لم يكن أردوغان محتاجاً لكل هذه الشحنة الانفعالية الهائلة التي صورته كمنتقم..
أفضل خيار لحماية الديموقراطية هو تقوية مؤسسات دولة القانون وإعلاء قيمة العدالة وتقوية الجيش وأجهزة الأمن لحماية الدولة وحماية الديموقراطية وليس إطلاق يد تلك الأجهزة لانتهاك مبادئ القانون مهما كانت حساسية الظرف .
لا مكان للتصرفات الانفعالية والانتقامية بمبررات حماية الديموقراطية.. نقول هذا مع تعاطفنا الكبير مع شرعية الحكومة المنتخبة في تركيا وإدانتنا الكاملة للانقلابيين..
لكن وبنفس القدر الذي ندين فيه الانقلابيين يجب أن ندين السلوك الانتقامي والانتقامي أيضاً، ودائماً نقول للانتقاميين في كل مكان إن الانتقامية والديموقراطية لا تجتمعان في قلب رجل واحد .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.