يوسف عبد المنان

القمم العربية


كان للقمم العربية صيت وبريق وصوت وكلام ولكن كان فعل ماضي وقد أصبح العرب، الأمة الوحيدة التي أمسها أفضل من حاضرها، في كل يوم يتمزق الجسد العربي ويهترئ الثوب الذي يغطي عورات الجسد المثخن بالهزائم.
كانت القضية الفلسطينية تشكل حضوراً في أجندة اجتماعات العرب ويهتف القادة العرب بشعارات تتوعد إسرائيل بالموت غرقاً في لجة البحر المتوسط، ومن ثم جاءت حقبة توعد فيها العرب إسرائيل بالحرق بنيران مدافع ودبابات “عبد الناصر”، وثم كانت صواريخ “صدام حسين” التي لم تحرق دكاناً في “تل أبيب” ولكنها حرقت الجسد العربي وشيعت وحدة الجامعة العربية إلى المثوى الأخير.
اليوم تشظى الجسد العربي وهرم وفقد القدرة على الحركة وتنازلت المقاومة الفلسطينية عن البندقية في “أوسلو” وتنازل العرب عن وحدتهم التي صنعتها قضيتهم المركزية، فأصبحت إسرائيل هي دولة تفتح دواليب البيت العربي وتشرب القهوة العربية حتى بالقرب من مقبرة “خالد بن الوليد”، في “حمص” السورية وقبر “خالد” يرجف غضباً وسيفه ينادي العرب هل من يحملني ويعيد لي ماضي السيف الذي هزم التتار والروم.
والعرب اليوم كيانات وتنظيمات مناطقية اتحاد مغاربي هنا مجلس تعاون خليجي هناك واتحاد شامي ممزق ووحدة مستحيلة في وادي النيل، ولم يبقَ إلا جامعة الدول العربية مثل امرأة هرمت وفعلت السنون فعلتها ولكنها لا تزال تخضب معصمها وتوعد نفسها بفارس لن يأتي.
وفقدت الجامعة العربية حتى بريق منصب الأمين العام الذي أصبح لمصر منذ انتقال الجامعة نفسها من تونس للقاهرة، ولا يتنافس القادة العرب في موقع يشكل عبئاً على البعض وامتيازاً في ذات الوقت، ولكنه منصب أقرب لتيار التنازل عن كل شيء في لا شيء. ومن المفارقات أن “أحمد أبو الغيط” هو خليفة “نبيل العربي” وكلاهما من العرب الذين تنازلوا عن الشعار القديم إسرائيل هي عدو الأمة العربية والإسلامية، واليوم الجسد العربي تنتاشه حركات إسلامية عمياء لا تبصر تقتل المسلم قبل الكافر وتستحل دماء من لم يقاتل المسلمين. وداعش اليوم هي المثال لما حاقت بالدول العربية من هزيمة الذات وداعش لم تفجر قلب “تل أبيب”، ولكنها تقتل العرب في “الموصل” و”أربيل” وفي “دمشق” و”النبطية” وتستحل لنفسها حتى الهجوم على الأرض المقدسة في مكة والمدينة المنورة.
انقسم السودان إلى دولتين والجامعة العربية كانت تراقب مخاض الانقسام ما قبل الانقسام وقد دفع السودان ثمن خيار قادته منذ الاستقلال بالانتماء إلى العرب، أن فقد ثلث أرضه ونصف ثروته ولم يكلف العرب أنفسهم حتى مشقة المواساة يوم تصدع وانقسام البلد الكبير. واليوم يلتقي القادة العرب ليس كلهم بل بعضهم في العاصمة الموريتانية “نواكشوط” التي تزينت كعروس يوم زفافها مشتاقة تسعى إلى القادة العرب، ولكن يغيب عن العرب اليمن السعيد المدافع عن وجوده بعد أن تهدده النفوذ الشيعي، وتغيب “طرابلس” الغارقة في الدم منذ رحيل “القذافي” وتغيب “دمشق” الأمويين، لأنها مشغولة بحرب نفوذ العالم العربي في الأرض السورية، وتغيب “بغداد الرشيد” التي خرجت ولم تعد منذ مقتل “صدام حسين” بأيدٍ عراقية ووصفة أمريكية، وربما تغيب المغرب التي اتخذت من القمم العربية موقفاً منذ قديم الزمان، وتغيب قبل ذلك الإرادة والعزيمة في التغيير والمواجهة.
صحيح أن الخليج اليوم تقوده عقول جديدة مثل الملك “سلمان” في المملكة العربية السعودية، وتقوده في قطر شخصية مثل الأمير “تميم”، وفي الإمارات عقل مفتوح وفي الخرطوم قيادة تجمع بين الدهاء والمبدئية، فهل من ركام الفشل وسنوات الإحباط يخرج في “نواكشوط” شعاع أمل يضيء دياجر ظلام يخيم على أرض العرب، وقد أطلقوا على قمتهم التي تبدأ اليوم صفة الأمل.