النفايات الخطرة .. سيرة الخطر
غض النظر عن ما سيسفر عنه المؤتمر الصحفي الذي ستعقده نهار اليوم لجنة التحقيق حول ما أثير عن دفن مواد كيميائية مشعة بمنطقة سد مروي، وسواء خلصت اللجنة إلى نفي الواقعة أو إثباتها، إلا أن قضية النفايات الخطرة تظل هاجساً وتبقى حاضرة بقوة وبكل ما تثيره من قلق ومخاوف تستدعي منا مجتمعاً وحكومةً التحلي بأعلى درجات اليقظة والحذر، لدرء هذا الخطر، وتجنيب البلاد والعباد شروره المستطيرة، وكان الدكتور محمد صديق المدير السابق لهيئة الطاقة الذرية أعلن عن دخول 60 حاوية مواد خطرة إلى السودان أثناء تشييد سد مروي، دفنت محتويات 40 منها قرب السد، وتم رمي محتويات الـ 20 الأخرى في العراء، غير أن مدير وحدة تنفيذ السدود نفى حينها دخول أية حاويات أو مواد ضارة إلى البلاد عن طريق الوحدة…
وكان أول الشكوك حول دخول نفايات ذرية إلى البلاد هو ما أثير من اتهام حول اتفاق قيل أنه تم سراً بين نظام مايو والأميركان، وسمح بموجبه الطرف الأول للثاني بدفن كميات كبيرة من النفايات الذرية بصحاري شمال السودان القصية والمنسية، وقد ظل هذا الاتهام معلقاً منذ أن أثير أول مرة، لم يتم نفيه نفياً قاطعاً يقطع دابر التهمة بلا رجعة، كما لم يتم إثباته بالدليل القاطع الذي يقطع قول كل متشكك في صحته، وظل الحال هكذا في منزلة بين منزلتين، الشك واليقين، يتجدد الاتهام مرة ويتم نفيه مرة، واستمر السجال على هذا المنوال إلى أن باغتتنا قبل عدة سنوات إحدى الصحف بخبر يجلجل، يقول إن بعض المغامرين الباحثين عن الثراء عبر التنقيب عن الذهب في صياصي وصحاري الشمال قد عثروا على ما يشتبه في أنه نفايات لمواد خطرة يذهب الشك إلى أنها نفايات نووية، ويعزز هذه الشكوك أنها وجدت داخل براميل معدنية لا تشبه البراميل المعروفة، مطمورة ومدفونة داخل الأرض فيما يشبه المقبرة في صحراء العتمور الشرقية، على بعد مائة كيلومتر شرقي مدينة أبو حمد، ولم يقتصر الحديث عن النفايات الخطرة على الولاية الشمالية وحدها، بل ظل يتردد هنا وهناك بين الفينة والأخرى، منها على سبيل المثال ما كان أثاره أحد البرلمانيين عن دفن نفايات سامة بسنار، وقبلها بعدة سنوات كانت قد أثيرت من داخل أروقة البرلمان قضية الحواسيب (الإسكراب)، وفي الذاكرة أيضاً حكاية آلاف الأطنان من فضلات الأغاريق وما يخرج من سبيليهم، التي نقلوها عبر البحر لتحط رحالها في بورتسودان، وهناك كذلك قصة النفايات النفطية التي تم دفنها بخلاء شمال أم درمان، وكل هذه القضايا والحكايا المؤسفة وغيرها مما لم نذكره، تفرض علينا أن نفتح بصرنا وبصائرنا مخافة أن نؤخذ بالإغراء أو على حين غرّة، فالعالم الأول متخم بنفايات مختلفة الأنواع، متعددة المخاطر، ظل دائب البحث عن مدافن لها خارج أراضيه