جعفر عباس

استر عورتك والزم بلدك


كل من استخدم الطائرة كأداة للسفر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001 مر بتجربة التفتيش المهين لأمتعته وجسده، فقد صرنا في السنوات الأخيرة مطالبين بخلع الحذاء وحزام البنطلون، ثم يصدر ذلك الباب الالكتروني السخيف صافرة مزعجة فتخضع للتفتيش باليد، وحال النساء أسوأ لأنهن لا يسافرن إلا مصفحات بالهلاهيل والكشاكيش الذهبية والسوارفسكية والنحاسية، فتولول أبواب المطارات الالكترونية كلما مرت بها امرأة: يا لهوييييي، فيتم اصطحابهن إلى غرف مغلقة لمزيد من التفتيش (هل تذكرون حكاية الصومالي الذي كان قد وصل إلى دبي على متن باخرة، ثم وجد الفرصة للسفر جواً إلى بلد أوروبي؟ جاء المسكين إلى مطار دبي وقالوا له أن عليه أن يضع أمتعته على السير الذي يمر عبر جهاز أشعة اكس، وعلى الطرف الآخر من السير رأى الشرطي على شاشة الجهاز هيكلا عظيما، فهب فزعا وانطلق وهو يصرخ: الحقوني يا أهل المروءة.. مصيبة يا جماعة، فجاء زميل له وأوقف حركة السير الكهربائي، ولكنه بدأ بدوره يصرخ مستنجدا بزملاء آخرين ليفحصوا معه «حقيبة فيها جثة آدمي»، وبعد ان امتلأ المطار برجال الشرطة الجنائية وقوات الصاعقة، تم إعادة تشغيل السير، وظهر رأس ثم جسد آدمي، ولكن كانت المعجزة أنه «حي». واتضح أن الصومالي المسكين كان يسافر عبر مطار لأول مرة، وعلم أن الجهاز/ السير الكهربائي خاص بالتفتيش فاستلقى عليه مع أمتعته فكان ما كان.).
كلنا مررنا بتجارب مضحكة عند تعاملنا لأول مرة مع الأجهزة الحديثة. ولا بأس من إعادة تذكير القراء بما حدث عندما نزلت في مطار هيثرو لأول مرة وكان علي أن استخدم السلم الكهربائي، وبحثت عن طريقة أخرى للصعود إلى أعلى ولم أعثر عليها وتوكلت على الله، ووضعت رجلي على أول درجة في السلم، وترنحت إلى الأمام والخلف وعندما أدركت أنني ساقط لا محالة، مددت يدي كي أمسك بأي شيء يعيد إليّ توازني، ولسوء حظي كان ذلك الشيء ثوباً مزركشا تلف به سيدة سودانية كانت تقف أمامي جسدها، وترنحت السيدة وانحشر طرف ثوبها في جانب السلم المتحرك، ومالت إلى الخلف فدفعتها إلى الأمام وسقط كيس مانجو كنت أحمله وتدحرجت حبات المانجو وفاح اريجها الزكي بعد أن تحولت إلى عصير بين تروس السلم وأصبحنا أنا والسيدة المسكينة كومة واحدة إلى ان وجدنا الأيدي تمتد الينا بعد وصولنا إلى قمة السلم، ولن أنسى ما حييت نظرات الازدراء في عيون رجال المطار البريطانيين، فقد كان لا بد من إيقاف السلم كي لا يتسرب عصير المانجو إلى خطوط الكهرباء فيه ويحدث انفجارا وحريقا.
المهم حصل خير وأريد منكم إبلاغ ما سأقوله في السطور التالية لأصدقائكم وأقربائكم الذين يعتزمون السفر إلى أي دولة أوربية، بعد الأحداث الأخيرة في فرنسا وبلجيكا وألمانيا: لقد قرروا استخدام أجهزة تفتيش تظهر جسد الإنسان عارياً. وهذه الأجهزة مستخدمة في المطارات الأمريكية منذ سنوات: يدخلونك في كشك فولاذي ويجردك (سكانر)، وهو جهاز المسح التصويري من ملابسك، ولكنهم قرروا في يوليو الجاري استخدام السكانر حتى في محطات القطارات دون أن تدخل كشكا ودون ان تحس بذلك، بحجة البحث عما تخفيه من أسلحة. صحيح أنهم لا يعرضون صورتك على شاشات عامة، ولكن هل تقبل لنفسك أن تتعرى ولو أمام شخص واحد غير الطبيب؟ شخصياً لا أحب أن أتعرى حتى بطلب من طبيب، ولن أقبل بأي حال من الأحوال أن يتفرج شخص ما على عورتي تحت أي ذريعة. بل لم أكن سأقبل أي مهنة تتيح لي النظر إلى عورات الآخرين، وحتى في سنوات المراهقة والطيش والنزق كنت أتقزز من مجلات العري التي كان بعض زملاء الدراسة أو الحي يتباهون بعرضها علينا.