شكراً جزيلاً!!
بكل بشاشة وترحاب استقبلني صباحاً باكراً الأخ أمين عام ديوان الزكاة “محمد عبد الرازق” رغم أنني جئته بلا سابق موعد، اقتحمت مكتبه وفي حلقي مرارة وغصة، وفي قلبي طعنة، وفؤادي مجروح وصورة الطفل “مصطفى” الذي حكيت قصته بالأمس لم تفارق خيالي، ودار بيني والأمين العام نقاش ليس بالقصير حول الدور الذي يلعبه ديوان الزكاة، جيث حديثي أنهم قد ضاعفوا ميزانيات العلاج لكنهم رغم ذلك يشعرون بالعجز تجاه السيل الجارف من طلبات الفقراء والمحتاجين، وقلت له الله يكون في عونكم لأنه كلما زاد الفقر زاد الضغط على الديوان، باعتبار أنه مال المسلمين الذي يفك الضيق ويحلحل المربوط والآمال عليكم معقودة لأن الفقراء لا وجيع لهم، وغالباً ما تسد الأبواب في وجوههم فيلجأون إليكم.. ثم جئنا لموضوع “مصطفى” ولم يحوجني الرجل لكثير شرح إذ حمل قلمه الأخضر ووجه الأخت مديرة مكتب العلاج الاتحادي بمنحه أعلى سقف للدعومات نسبة لخطورة حالته.
ولعل ما فعله الأمين العام ليس سابقة ولا هي أول مرة له تفاعلاً (عاجلاً) مع قضايا نتناولها، وسبق له أن وجه بصرف (خمسين ألف جنيه) ساهمت في إطلاق سراح عم “آدم” المحبوس لحين السداد. لكن دعوني أقف بشيء من التأمل والإعجاب والدهشة لموقف حدث وأنا في طريقي إلى المكتب بعد مقابلة الأخ الأمين العام، إذ اتصل عليَّ شخص عرفني بأنه جاء إلى الصحيفة يبحث عن هاتفي وأنه موفود من شخص قرأ الزاوية صباحاً وكلفه بالاتصال بي لأنه يرغب في المساهمة في علاج “مصطفى”، وبالفعل اتصلت عليه وعندما علمت أن المساهمة مبلغ نقدي أخبرته بأنني سأحضر معي شقيق “مصطفى” “مبارك”، وبالفعل ذهبت إلى مستشفى (جعفر بن عوف) واصطحبت “مبارك” معي إلى محدثي حتى مكتبه لمقابلته، حيث قام ليحيينا واقفاً ودعانا للجلوس ليسرد له “مبارك” كيف حدثت الإصابة وكيف يعاني الصغير، وكيف أن مرهم الحروق الصغير يعادل (240) جنيهاً وهو يحتاج لمرهمين في الرأس يومياً.. فما كان من صاحب الدعوة إلا أن قال لي: يا “أم وضاح” دي (35 ألف جنيه)- جعلها داخل مظروف- هي مساهمتي في علاج “مصطفى”. فقلت له: يا سيدي أمنح المظروف بيدك لـ”مبارك” حتى تأتي يوم القيامة شاهدة لك وليست عليك، وما أنا إلا وسيط ساقه الله لهذا الطفل، فأردف قائلاً: يا “أم وضاح” ما داير زول يعرف اسمي ولا المبلغ، دي حاجة بيني وبين رب العالمين وتحت ضغط منه وعدته ألا أفعل، لكنني وبعد خروجي من مكتبه تأملت نفسي وحالي وكيف أنني أمس كنت غاضبة ولو كانت بيدي تأشيرة خروج لنفيت نفسي بعيداً عن بلد ماتت في أهله المروءة والنخوة، لكن الرجل بهذا الفعل أعاد إليَّ ثقتي في وطني وفي ناسه وفي قيمه، وأن السودان ما زال بخيره والفينا مشهودة، لذلك أعذرني أخي الكريم أن أحنث بوعدي لأنه ممكن أبلع الألم وممكن أبلع الجرح والهزيمة لكن ما بقدر أبلع ذمة المروءة والكرم وأنت تجسده بكل هذه الطيبة المزدوجة بهيبة.. أعذرني أخي “محمد علي محمد صديق” مدير شركة (السهم الذهبي) أن أخلفت بوعدي لك وأنا أعلم أنك لا تبحث عن مدح أو إعلان، لكني أذكر ما قمت به حتى لا تموت المروءة فينا (والسهم) الذي رميته ليس (ذهبياً) فقط هو مرضع بالألماس والدرر والياقوت فلله درك وكتر الله من أمثالك!! وتاني في زول جميل تفاعل مع القصة وظل هاتفه يستقبل غضبي وانفعالاتي ما بين مستشفى (جعفر ابن عوف) ومستشفى (الخرطوم) حيث أودعنا “مصطفى” وهو الأخ والصديق دكتور “معز حسن بخيت” الذي ظل في حالة استنفار ولعب حلقة الوصل حتى وصل “مصطفى” إلى الخرطوم لتقرير حالته بالكامل ومدى ما يحتاجه من عمليات تجميل وترقيع وإعاده للعين المفقودة.. فشكراً أخي أمين عام ديوان الزكاة وأنا أكتشف مسؤولاً بكل هذا التسامح وهذه الرحمة وهذا التجاوب.. شكراً وعذراً أخي “محمد علي” وكتر الله من الزيك الحاسين وشاعرين بالوجع ولم ينفصلوا عن مجتمعهم ولم يبتعدوا عن همومه.. وشكراً دكتور “معز” وهي ليست المرة الأولى التي أضعك فيها في (حتات) ضيقة ودائماً أنا مستعجلة وغاضبة أو مستعجلة وحانقة، ولازال “مصطفى” ينتظر أن يعود إلى حيث ينبغي أن يكون تلميذاً في مقاعد الدراسة، يلعب وينطط وينام قرير العين هانيها!!
{ كلمة عزيزة
ملاحظة مهمة لم تفت عليَّ رغم الهجوم الكاسح الذي (نشنه) على بعض المسؤولين، ولينا حق في ذلك، طالما أنهم ارتضوا أن يتصدوا للعمل العام، أن كثيرين من هؤلاء يتصلون مباشرة علينا للتوضيح أو التصحيح وحتى لو كان النقد قاسياً فإن معظمهم لا يبدي ردود أفعال بذات السخونة، بل يجنح إلى رسم صورة الحدث بشكل تقريبي أكثر. ولعل هذه الملاحظة تقع تماماً في خانة الموجب نحو مفهوم حضاري لعلاقة المسؤولين بالصحافة أو المواطن، وهي ملاحظة تصب في مصلحة المسؤول الذي يتجاوب مع الآخر ولا يتمترس خلف عناده أو الاعتداد برأيه، لذلك أقول لكل من يتصل بنا أو بغيرنا هذا ليس منقصة لك ولا مكرمة منك، لكنه الطبيعي لطرفي معادلة ناتجها يصب في مصلحة الوطن!!
{ كلمة أعز
السيد مدير عام منظمة الشهيد ألف واحتفل بتدشين كتاب عن خنساء فلسطين (أم نضال فرحات)، ولا أدري لماذا لا تجود قريحة الرجل بكتابة وأرشفة تاريخ خنساء السودان حاجة “شامة” ومثلها من الخنساوات.. وبكرة لي عودة!!