مرحب بالإمام وجبريل ومناوي
لم أدهش البتة لمواقف كل من الإمام الصادق المهدي وجبريل إبراهيم وعرمان وهم يكشفون في بيانات منفردة ما ينطوي عليه كل منهم حين قرروا أخيراً توقيع خارطة الطريق التي كانوا قد رفضوا توقيعها حين عرضها عليهم الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي في أديس أبابا في مارس الماضي ووقعتها وقتها الحكومة من طرف واحد.
سأبين من أقوال كل من المهدي وجبريل المتناغم مع موقف مني أركو مناوي أنهم يتخذون الحوار وسيلة أولى لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في الانتقال بالسودان إلى مربع جديد يتراضى فيه الجميع على حل توافقي يجنب بلادنا الانزلاق في الفوضى والاحتراب الذي نرى تجلياته في بلاد قريبة كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان قبل أن ينزغ الشيطان بين مكوناتها السياسية والاجتماعية فيحيلها إلى كتل متراصة من اللهب تحوم في سماواتها أشباح الموت والخراب والدمار .
لم يستبعد الثلاثي المهدي ومناوي وجبريل الانتفاضة كخيار ثان بديل يضغط به في سبيل حمل الحزب الحاكم على التوافق على حل سلمي للأزمة السودانية.
أما عرمان فقد وضع اسقاط النظام هدفاً أول لا خيار غيره وليحدث ما يحدث فهو يعلم علم اليقين أنه لا سبيل إلى تحقيق أحلامه المريضة وأهدافه الاستراتيجية المجنونة إلا عبر نشر الفوضى والخراب والدمار بعيداً عن أي حل توافقي سيكشف في نهاية الأمر عزلته وهوانه على أفراد الشعب السواني الذي شبع وارتوى من كيده وجرائمه.
تأملوا في عبارات المهدي التالية المترعة بالحكمة والخوف مما يمكن أن يصيب السودان لو اختار أهله طريق الموت والتشاحن والتباغض :
الحوار الوطني إذا توافرت استحقاقاته واجب وطني وخيار المخرج السلمي إذا توافر هو ما اختاره الوطنيون الحقيقيون في افريقيا مثل مانديلا …..).
ثم تحدث المهدي عن الخيار البديل فقال : (أما خيار الانتفاضة فهو خيار قائم باستمرار إذا بلغ التراكم كتلة حرجة لا يبطله إلا إذا أمكن للحوار الوطني أن يحقق مقاصده بالتي هي أحسن) ..إذن فإن الرجل اختار ، رحمة بشعبه ووطنه ، التي هي أحسن لا التي هي أخشن التي لا يرضى عرمان عنها بديلا.
جبريل مضى في ذات الاتجاه حيث أوضح في لغة تصالحية الأسباب التي دعتهم إلى الموافقة على توقيع خارطة الطريق، مبينا أن الاجتماع التحضيري سيناقش بعض القضايا التي تقدموا بها إلى امبيكي في مقترح مذكرة التفاهم ولم يستخدم جبريل لغة مستفزة أو يضع فيتو على اطراف الأزمة السودانية.
أما الرويبضة فقد مضى في ضلاله القديم مستخدماً ذات أسلوب (أركان النقاش) الذي كان يمارسه قبل أن يخرج من السودان في أعقاب إحدى المشاحنات في جامعة القاهرة فرع الخرطوم وينضم إلى قرنق في أعقاب استشهاد بلل والأقرع في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وكعادته سد الرويبضة الباب تماماً أمام (التي هي أحسن) التي اختارها المهدي كتعبير عن رغبته في تجنيب بلادنا خيارات الشيطان فقد قال ذلك الناعق بالسوء : (لن نشارك في حوار الوثبة حتى لو استمر مائة عام)،( لن نسلم بندقية الجيش الشعبي لنظام الإنقاذ ونطالب ببناء جيش سوداني وطني وجديد لا يخضع لسيطرة المليشيات…) ومضى في الهتر هارفاً بساقط القول وكاشفاً حقيقة ما ينطوي عليه من تآمر يهدف به إلى وضع العصا في عجلة التفاوض ليعوق مسيرها.
نعم ، لم ينحن عرمان للعاصفة ويوافق على التوقيع إلا من أجل إرباك التفاوض في المراحل التالية بدءا من الاجتماع التحضيري.
أعجب أن يضع الرجل فيتو على الحوار بالرغم من أن التسلسل المنطقي أن يؤدي توقيع خارطة الطريق إلى اجتماع تحضيري ينعقد في أديس أبابا ويمهد ، بعد الاتفاق على الإجراءات التحضيرية ، للانخراط في الحوار الشامل داخل السودان.
إنني أوجه بمقالي هذا خطاباً إلى المؤتمر الوطني بألّا يضيع هذه الفرصة التاريخية التي جاءته على طبق من ذهب فهو الذي ابتدر الحوار وهو الكاسب الأكبر من نجاحه والخاسر الأعظم من فشله، فهلا اهتبل الفرصة في سبيل الانتقال ببلادنا إلى بر الأمان واضعا في الاعتبار أمرين اثنين مهمين :
1- إنه في وضع مريح لا ينبغي أن يجعله يخشى من المستقبل سيما مع ضعف منافسيه الذين أرهقهم بالكيد والتعويق والتضييق.
2- إن الرياح تهب في أشرعته داخلياً وخارجياً، فهلا استغل هذه الأشهر السابقة للانتخابات الأمريكية في سبيل ترميم علاقته وتطبيعها مع أمريكا قبل أن يدخل البيت الأبيض قادم جديد لن يكون السودان في أدنى اهتماماته؟