حيدر المكاشفي

الرجاء التكرم التصديق بندوة


في الأنباء أن السلطات ألغت ندوة لمركز الجاسر الذي يديره الزميل عبد الماجد عبد الحميد الناشر الصحفي (مع وقف التنفيذ)، إذ كل ما يبشر الزميل العزيز بقرب صدور صحيفته الموعودة (المصادر) يتعذّر صدورها فلا تصدر، ولا ندري ما إذا كان الزميل يخشى (المصادرة) فآثر تأخير الصدور لحين إصدار مخرجات الحوار أم تعثرت عليه (مصادر التمويل)، ولعله والحال هذا يتعزّى برائعة الرائع الشاعر الغنائي عوض جبريل (ما بنختلف)، التي أداها بإحساس عالٍ المبدع خوجلي عثمان الذي مات مغدوراً بطعنة سكين من أحد المهاويس، رحمهما الله الاثنين، ففي خاتمة هذه الأغنية يقول الشاعر (أنا عندي ليك سر من زمان داير أقوله ومنكسف.. كل ما أقول قربت ليك تلقاني بادي من الألف).. المهم أن الندوة المخصصة لتناول الشأن التركي وكان من المفترض أن يخاطبها الدكتور غازي صلاح الدين ويشرفها بالحضور السفير التركي، قد أُلغيت كما جاء في الأخبار، بسبب عدم حصول الجهة المنظمة على التصديق بقيامها من السلطة المختصة، وتجدر الإشارة إلى أن الندوة الملغاة وبدلالة منظمها ومتحدثها الرئيس وضيف شرفها، كان من المؤكد ستتناول الشأن التركي بإيجابية لن تتقاطع مع موقف السلطة الرسمي وإنما ستتماهى معه، وفي تقديري أن تقدير المنع كان خاطئاً وغير موفق بل ومتعسف…
بهذه المناسبة أذكر قبل سنوات خلون أن أحد قياديي الحكومة والحزب الحاكم، أظنه الدكتور أمين حسن عمر، استشعر مرة درجة من الخجل إزاء ما تلاقيه الأحزاب الأخرى، فيما خلا حزبه من عنت في إقامة أي منشط، فتوجه بدعوة للسلطات المعنية بمنح التراخيص للندوات والاحتجاجات السلمية إلى التحلي بسعة الأفق والموضوعية، وعدم تغليب الاحترازات والاحتمالات باعتبارها مقيدة لحرية التعبير، ومن عبارة هذا القيادي يتضح أن هناك تزيداً وخطل تقدير يؤدي إلى التضييق على الكيانات السياسية بل وحتى المجتمعية بمنعها من إقامة مناشطها، وينتج ذلك غالباً من تقديرات ذاتية، ولكن المشكلة هنا ليست في هذه السلطات التي قد لا تحسن التقدير، وإنما المشكلة ابتداءً في أن يوضع موضوع الحريات تحت يد وإمرة سلطة تمنحها أو تمنعها وفقاً لتقديراتها، فالأصل في الحريات هو المنح والاستثناء هو المنع، وليس ما هو كائن الآن حيث المنع هو الأصل والمنح هو الاستثناء، فمهما تكن السلطة التي يخول إليها أمر الحريات، فهي في النهاية مؤلفة من بشر ليسوا مبرئين من الخطأ وسوء التقدير، الصحيح بمقتضى أحكام الدين وشرعات الدنيا هو أن تكون الحريات مبذولة ومتاحة لا تتحكم فيها جهة أو تتدخل إلا عندما يحدث ما يستدعي التدخل، وهنا يكون المطلوب هو إخطار السلطة بزمان ومكان وساعة إقامة المنشط، وليس طلباً بإقامته يُرفض أو يُقبل على شاكلة (نتقدم لسيادتكم بهذا الطلب راجين كريم موافقتكم بإقامة ندوة)..