الرحمة حلوة !!!
*كنت برفقة ابني الرضيع بمشفى خاص..
*المشفى الوحيد الذي كان مؤهلاً لعلاج طفلي من علته حسب نصيحة الطبيب..
*أو على الأقل كان الأمر كذلك في بدايات الإنقاذ..
*وبعد منتصف ذات ليلة توفي طفلي هذا..
*فطلب مني المدير المناوب أخذ الجثمان ومحاسبة المشفى لاحقاً..
*فالوفاة مفاجئة ولم أكن متحسباً لتبعاتها..
*قال بالحرف الواحد (ربنا يخلف عليك وما تشغل نفسك بالفلوس الآن)..
*وبالفعل أحضرت له المبلغ بعد نحو أسبوع..
*وما زلت أذكر وجهه الصبوح (الملتحي) إلى يومنا هذا..
*كان يبدو متديناً (لوجه الله) لا من أجل أغراض (دنيوية)..
*كما لم يكن يبدو – من ملامحه- سودانياً (تماماً)..
*وعلى عكسه بدوا الذين هم سبب كلمتنا هذه اليوم..
*فهم لم يستصحبوا مشاعر اسمها (الرحمة) عند تعاملهم مع نزيل..
*أو بالأحرى ، مرافق الطفلة النزيلة..
*فالطفلة توفاها الله- فجأة- كما حدث لطفلي الذي تحدثت عنه..
*والمشفى الشهير هو ذو اسم (إمبراطوري)..
*وحسب الوقائع فقد طالبت إدارة المشفى الوالد بالدفع فوراً..
*دفع (10) آلاف جنيه وإلا فلن يستلم الجثمان..
*ولو (حضرت الرحمة) لكانت هنالك خيارات عدة..
*خيارات تضمن للمشفى رسومه (الشفقان عليها) هذه من جهة..
*وللوالد المكلوم أخذ جثمان ابنته من جهة أخرى..
*ومن بينها أخذ صك ضمان من الوالد لحين إحضار المبلغ..
*أو استكتابه (وصل أمانة) بأجل معلوم..
*أو استلام وثيقة رسمية منه (كرهينة) مثل شهادة الرقم الوطني مثلاً..
*ولكن أيا من ذلكم لم يحدث لغياب الرحمة..
*فكانت النتيجة أن ثارت ثائرة الأب ليحطم بعض أثاث الإدارة..
*وهو تصرف مرفوض وفقاً (لنص) القانون..
*ولكن بالنظر إليه من زاوية (روحه) فإن فاعله يمكن أن يُعذر..
*فهو قد فاضت (روح) طفلته للتو..
*والمشفى يصر على التعامل معه (بروح التوحش المادي) لزماننا هذا..
*زمان يناسبه مقطع أغنية عدوية (ولا عادش رحمة)..
*زمان وصفت جانباً من ظواهر (تدينه الكاذب) في كلمة خلال رمضان..
*فبائع البطيخ لا ينافس مسبحته طولاً إلا لحيته..
*والمسواك داخل فمه لا يخرجه إلا ليقول: (سبحان الله) أو (سعر البطيخة)..
*والتي اشتريتها منه بـ(70) باع مثلها لآخر بـ(100)..
*علماً بأنه ذكر لي – قبل ثوانٍ- أن ربحه فيها لا يتعدى الـ(5) جنيهات..
*أي ربحه بعد أن باعها لي بالمبلغ المذكور..
*وغابت الرحمة من مشافينا ومدارسنا وأسواقنا و(حياتنا)..
*ولولا أن كتب الله على نفسه الرحمة لأهلكنا، ربما..
*فحتى اليهود يعرفون (حلاوة الرحمة!!!).