الطاهر ساتي

التخطيط للإغاثة ..!!


:: الخريف من مواسم الخير ، ولكنه في بلادنا موسم لشق الجيوب ولطم الخدود .. وللأسف، لا تزال الدولة – شعباً وحكومة وإعلاماً – تظن بأن معاناة الخريف محض حدث عابر، وهي لم تعد كذلك .. فالسيول والأمطار التي تسبب المتاعب في بعض مناطق السودان لم تعد محض حدث عابر.. منذ خمس سنوات تقريباُ، بشهادة هيئات الإرصاد، يشهد مناخ السودان (تغيُراُ إيجابياً).. ولكن، كالعهد بها دائماً، فأن الدولة آخر من تعلم ..!!
:: عرفت إتفاقية الأمم المتحدة هذا التغيُر بأنه ( تغيُّر في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري والذي يفضي إلى تغيُّر في تكوين الغلاف الجوي للأرض)، هكذا التعريف العلمي المتفق عليه..وقد تكون السدود هي السبب وقد لاتكون، فالمهم أن معرفة النشاط البشري الذي يؤدي إلى التغُير المناخي من مهام الخبراء والعلماء..و ما يُلينا- كمجتمع وسلطات – هو فقط تكييف حياتنا بحيث تواكب المتغًيرات المناخية.. !!
:: فالطبيعة لا تُقاوم، ولكن يمكن ترويضها بحيث لا تسبب المخاطر، وهذا الترويض هو المواكبة.. وعلى سبيل المثال، تأمل ما يحدث في همشكوريب وبعض مناطق الشرق من فقد للأرواح ودمار للقرى بسيول وفيضان تجاوز المعدل .. و( تشاهد غدا)، ما يحدث لقرى نهر النيل والشمالية .. وهذا التأثير الناتج عن زيادة معدل الأمطار و السيول لم يحدث في الخمسين سنة التي سبقت الثلاث سنوات الماضية، حسب رصد هيئة الإرصاد في العام الفائت ..!!
:: وصار طبيعياً أن يتجاوز الفاصل المداري – منذ أكثر ثلاث سنوات، حسب رصد هيئة الإرصاد – وادي حلفا.. أي كل الإقليم الشمالي لم يعد يختلف كثيراً – من حيث التأثير بالأمطار والسيول – عن أقاليم السودان الأخرى، وهذا هو المعنى ب( التغُير الإيجابي).. فالمياه – أينما وُجدت وكيفما هطلت أو سرت – فهي نعمة.. ولكن الإنسان هو من يحولها إلى ( نقمة)، وذلك بعجزه – أو فشله – في ترويضها بحيث يتم إستغلالها في الزرع والضرع ..!!
:: هيئة الإرصاد غير معنية بالبحث عن أسباب التغُير المناخي الذي تشهدها البلاد، بحيث تكاد أن تتساوى كل ولايات السودان في ( معدل الأمطار) و ( حجم السيول).. هيئة الإرصاد مهمتها الرصد والتحليل فقط.. أما الدراسات والبحوث فهي مهام ( دولة بي حالها)، وذلك بالصرف على مراكز الأبحاث والدراسات..والتغُيرات المناخية من القضايا الإستراتيجية التي تضعها الدول في قائمة الأولويات، وذلك لصلتها المباشرة بإقتصاد الدول وصحة وحياة شعوبها ..!!
:: وما لم تواكب المجتمعات – تخطيطاً وتنفيذا – هذه التغييرات المناخية التي تشهدها البلاد، فالمستقبل – كما الحاضر – محفوف بالمخاطر ..والجدير بالتأمل – بغرض الإستفادة من التجارب – هو أن نمط حياة أهل القضارف – على سبيل المثال النموذجي – نجح في ترويض الأمطار..ولهذا لا تسمع للقضارف صراخاً في موسم الخريف، أي ما بين الأسمنت والقطاطي تقاسموا ( الوقاية الجيًدة)..!!
:: وكذلك أهل دارفور وكردفان والنيل الأزرق، ولا أعني سكان المدائن التي تعاني من سوء التخطيط أو التخطيط في ( مجاري السيول).. بل الأرياف الشاسعة ذات المساكن والمزارع التي تحتفي بالأمطار ولا تهابها أو تلطم الخدود كما تفعل الولايات الأخرى.. ولأن الوقاية خير من العلاج، فأن كل المجتمعات المتأثرة بالخريف بحاجة إلى تغيير في نمط حياتها لتواكب هذا ( التغُير المناخي).. كيف؟..هنا يأتي دور التخطيط الإستراتيجي للدولة.. وللأسف، هذا الدور مختزل – حاليا – في إنتظار الكوارث لإستجداء الإغاثة ..!!