منى عبد الفتاح : البرلمان الفرعوني وشرعة الختان
قدّر نوابٌ في برلماني مصر والسودان أنّه لن يكون دورهم فاعلاً، ما لم يمارسوا ذلك النوع من الإرهاب الفكري الذي برعوا فيه، إلى درجة أنّهم بدوا في ثياب الترهيب والتجريم، وتركوا دورهم المفترض أداؤه. وأخصّ هنا نواباً حملوا لواء الحملة الموجهة ضد المرأة، والمستأسدة بأضعاف ما ترد حكايات ختان الإناث ومضاعفاتها ووحشيتها. ولكأنّي بهؤلاء يمارسون إسقاطاً نفسياً لديمومتهم في برلمانين غير منتخبين، يطبقون المعتقد الفرعوني باعتبار الختان نوعاً من التضحية السحرية لضمان الحياة بعد الموت، عوضاً عن التضحية بالفرد نفسه.
انشغل البرلمانان بقضية ختان الإناث، على الرغم من تحدّياتٍ سياسيةٍ واقتصادية كثيرة. وحصدت ما لم تحصده قبتا البرلمانين في مصر والسودان من جدلٍ منذ شرعة هذه العادة بأصلها الفرعوني. ونقول هذا ليس استخفافاً بمن يهتم بها، وإنّما لأنّ هذه القضية المحسومة دينياً وصحياً لا يزال مجتمعا البلدين يغرقان في تفاصيلها المرتبطة بالعُرف والعادات والتقاليد، حتى وصلت إلى برلمانيهما. وليس مفهوماً استعصاء هذه العادة على الاندثار، على الرغم من بروز مخاطرها ومآخذها، وقد زال ما يفوقها قوةً مما تتمسّك به المجتمعات.
اتخذ هؤلاء من شريعة الفراعنة منهجاً، وتقمصوا لعنتهم التي يحاولون إنزالها على النساء، فبدلاً من تمثيلهم الشعب وإحساسهم بمعاناته، ظلوا يمارسون دور الوصاية عليه، في انتهاكٍ فاضح لخياراته، وإغفالٍ لقضاياه المسيّسة بحياته. ومن فرط الإحساس الطاغي بالدور الوصائي، لا يحتمل هؤلاء النقد أو التخطئة.
“انشغل البرلمانان المصري والسوداني بقضية ختان الإناث، على الرغم من تحدّياتٍ سياسيةٍ واقتصادية كثيرة. وحصدت ما لم تحصده قبتا البرلمانين في مصر والسودان من جدلٍ منذ شرعة هذه العادة بأصلها الفرعوني”
سال مدادٌ كثير حول هذه القضية التي جاءت متزامنةً في البلدين، ففي السودان، لم يجفّ حبر قرار المجمع الفقهي السوداني إباحة زواج المسيار، حتى دُلق الحبر نفسه طامساً المادة 13 التي حُظر بموجبها ختان الإناث، لكنها قراراتٌ رماديةٌ وغير محسومة، فالمسيار، على الرغم من إهداره الواضح كرامة المرأة، ومما يحدثه من مخاوف من مجتمع جديد نواته اتكالية الزوج، ينظر كثيرون إلى حل مشكلة العنوسة عبره، وهو حلّ أسوأ من المشكلة نفسها. أما ختان الإناث، فبعدما طالب وكيل وزارة العدل السودانية، مشدّداً على إدخال تعديلٍ في قانون المجلس الطبي، بإلقاء أشد عقوبةٍ على ممارسي ختان الإناث من الأطباء، وإلحاق تعديلاتٍ في القانون الجنائي، لتحريم هذه الممارسة. وبعدما رعت وزيرة الصحة الاتحادية السابقة ورش العمل والحملات ضد الختان، ما تزال أصواتٌ ترى أن طُهر المرأة يتحقق بالختان، فأي عفةٍ يرجون.
هنالك أيضاً المادة 32 من وثيقة الحقوق في الدستور السوداني: “تعمل الدولة على محاربة العادات والتقاليد الضارة التي تقلل من كرامة المرأة ووضعيتها”، متفقة مع المادة 13 من قانون الطفل، والتي تنص على منع ختان الإناث وتجريمه، إلّا أنّ مجلس الوزراء سحب المادة 13 من الدستور في 5/2/2009، وقدّمت منظمات المجتمع المدني مذكّرة تطالب الحكومة بإعادة إدراج المادة في القانون الجنائي، وجاء فيها تأكيد ضرورة تشريع قانون يحرّم ويجرّم كل أنواع الختان، لحماية صحة النساء والفتيات السودانيات، ومن دون بديلٍ تشريعي يقنّن أياً من أنواع ختان الإناث، مطالبين بإعادة تضمين المادة بشكلها الأصلي في قانون الطفل، إضافة إلى الإدراج في القوانين واللوائح الأخرى، إذا اقتضى الأمر.
وفي مصر، ظهر القانون المعدّل بهذا الخصوص ضعيفاً، حيث انتهى إلى صياغة: “قانون الدولة يجرم هذه الممارسة، حيث تنص المادة 242 مكرّر من قانون العقوبات على أن يعاقب بالحبس مدةً لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تتجاوز سنتين، أو بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، كل من أحدث الجرح المعاقب عليه في المادتين 241، و 242 من قانون العقوبات، عن طريق إجراء ختان الإناث”.
وعلى الرغم من القوانين، فإنّ هذه العادة تقوى بالعُرف. وبالتقاليد نفسها، يقف جزءٌ من النواب مؤيدين، ففي مصر تصريحات النائب أحمد الطحاوي، عضو لجنة الصحة في برلمان 2016، والتي حذر فيها من أنّ لتجاهل الختان عواقب أخلاقية ضارة بالمرأة، وطالب بعدم تجريم الأمر، قبل أن يتراجع، ويعتذر لنساء مصر.
ومن قبل، أثار هذا الموضوع في البرلمان السوداني النائب دفع الله حسب الرسول الذي لم يحقّق شهرةً في دائرته أو البرلمان، إلّا بسبب جدله في هذا الموضوع، ووصل به الحال إلى تكفير دعاة منع الختان.
مثل كل مرة، تجتاح مشكلات المرأة الصحف، ويراود خيالها بحثٌ دائم في مياه هواجسها، تستدرج صفحاتها ما يتوارى خلف الجسد المخدوع بظل عدلٍ اجتماعيٍّ، يمكن أن يتحقق بتحوير نوع الختان لاختيار الأخف منه ضرراً، وما وعى السامعون أنّ المرأة ذاكرةٌ يرجف قلبها مع الزمان. فحينما تُعامل كإنسانةٍ تعيش وتبث إنسانيتها في من حولها، وحينما تملك أن تكون نافذة الكون الوسيعة، فإنّ المجتمع يبصر في عيونها المدى الذي يمنحه الفرح والأمان.
قطعت القوانين والتشريعات الخاصة بالمرأة طريقاً شائكاً، تتشابك فيه التقاليد مع هذه القوانين، فبعضها يستنكر القانون، وأخرى تستحسنه، لكن المعضلة الأساسية هي فيما يتعلق بالإصلاحات القانونية الخاصة بحقوق المرأة. تصطدم هذه الإصلاحات بعقبة العادات والتقاليد، وبالتفسيرات الفقهية المغلوطة التي تنزع إلى إدانة المرأة وإخضاعها، بدلاً عن إكرامها، كما تدعو مبادئ الدين والإنسانية.