صلاح حبيب

من حق أساتذة الجامعات أن يهاجروا!!


هاجر عدد كبير من أساتذة الجامعات السودانية بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشونها، وثانياً بسبب تدني مرتبات أولئك المعلمين. وفي جلسة مع أحد الأساتذة حينما بدأنا نناقش واقع الأساتذة وتلك الهجرة التي أصبحت أشبه بالمنظمة، قال لي هذا الدكتور تصور أن الجامعات السودانية يمنح الدكتور أو الأستاذ الجامعي مقابل المحاضرة الواحدة كم جنيه، أجبته بالنفي أو بعدم المعلومة المتوفرة لي عن المبلغ الذي يتقاضون، فحينما قال لي المبلغ ذهلت.. قال إن المحاضرة الواحدة بالجامعة تقدر ما بين عشرة جنيهات إلى خمسة عشر جنيهاً. لم أصدق كم من الزمن أفنى الدكتور زهرة شبابه وسط الكتب يبحث وينقب ويحفظ المعلومات حتى يملكها لأولئك الأبناء، هل معقول ثمن المحاضرة لا يساوي ثمن ساندويتش فول أو طعمية، كيف لهذا الأستاذ أن يعيش بهذا المبلغ الزهيد.. كم محاضرة سيدرسها الأستاذ الجامعي في الشهر ثلاثين، خمسين، مائة حصة.. كم المبالغ التي يجنيها إذا جمعت هذه المحاضرات لتقدم له راتباً شهرياً، كم مبلغ سوف يدفعه للمواصلات حتى يصل إلى الجامعة لتقديم تلك المحاضرات، كم مبلغ من المال سيصرفه على نفسه.. فطور وقهوة وشاي، وحاجات ثانية، كم مبلغ سيصرفه لإيجار منزل وكم مبلغ سيصرفه على أبنائه بالمدارس والجامعات، كم سيصرف على بيته شهرياً، كم سيدفع من المال نظير خدمات المياه والكهرباء.. فالجامعات السودانية الآن تأخذ من الطالب سنوياً مبلغاً يقدر بأكثر من عشرة آلاف جنيه للطالب الواحد، أما المدارس الأجنبية فالطالب يدفع أكثر من خمسة وعشرين مليون جنيه سنوياً، ورياض الأطفال فحدث ولا حرج. كيف يحصل هذا الدكتور على هذا المبلغ الزهيد وتلك المدارس تتقاضى الملايين من التلاميذ.. إن واقع أساتذة الجامعات مرير ومن حق أي أستاذ جامعي أن يهاجر طالما لم يجد الاحترام والتقدير من الدولة.. إن الأستاذ الجامعي عانى ما عانى في الحصول على هذه الدرجة العلمية الرفيعة، فهل يعقل أن يكون ما يتقاضاه بعد كل هذه السنين هذا المبلغ، والله حال غسالي العربات وفارشي الطماطم وبائعي الموية وغير ذلك أفضل من وضع الأستاذ الجامعي.
نحن أمة لا تقدر العلماء ولا الأساتذة والدولة ليس من أولوياتها أولئك حتى الأطباء لا يجدون الوضع الذي يمكنهم من ممارسة المهنة بالداخل، لذا نجدهم قد هاجروا وتركوا المستشفيات خالية من كبار الاختصاصيين والأطباء الصغار منهم أو الكبار.
فهل ستلتفت الدولة لتلك المهن وتعمل على معالجة مرتباتهم أم تتركهم يضربون في أرض الله الواسعة، من أجل حفظ كرامتهم العلمية وصيانة حقوقهم المادية، هل يتدخل وزير التعليم العالي في ذلك؟ وهل يتدخل وزير الصحة أم يترك الأمر يسير كما هو سائر.