جعفر عباس

ولي احتياجات خاصة


كنت «ضعيفا» في مادة الرياضيات لأن الأرقام لم تكن تعني بالنسبة إلي شيئا، وحتى هذه اللحظة لا أفهم لماذا تصبح 8 صفرا إذا ضربناها في صفر، ما السر الكامن في الصفر حتى يلغي الـ 8 التي هي أكبر منه؟ وفي الجبر كانت تواجهني مسائل من شاكلة ص – س مضروبة في ج أُس 3 زائد د = صفر، والمطلوب من التلميذ ان يحل المسألة! ما هي محلولة بدليل ان نتيجتها معروفة! يا أستاذ أنت تعرف ان نتيجة تلك الألغاز صفر فعلام تعرض تلاميذك للتعب والبهدلة؟ ويا ما تعرضت للتريقة كلما سألني المدرس سؤالا سخيفا مثل 8 زائد 7، أو 9 في 4، كنت عادة أنظر إلى السقف وأصابع يدي وقدمي تتحرك بسرعة جنونية بحثا عن الإجابة فيفاجئني المدرس بتعليق بايخ: الإجابة مش مكتوبة في السقف!
وتصببت عرقا عندما صرفوا لي في المدرسة الثانوية جداول اللوغريثمات، فقد حسبت أنه «عَمل»، بمعنى ان شخصا يكرهني أو يحسدني (لا تسألني: على ماذا؟) قام بكتابة تلك الطلاسم كي يلحق بي الأذى.. الغريب في الأمر هو أنني كنت لا أكره ذلك الفرع من الرياضيات الذي يسمى «الهندسة»، ربما لأنني جبان، فالهندسة تتألف من قوانين، وأنا أخاف من القانون ورجال القانون ولهذا احترم القوانين، ولكن كانت هناك نظرية في الهندسة اسمها أبولونياس لم تدخل رأسي قط رغم أنني حاولت مرارا فك طلاسمها.. واعتقد أن سبب ذلك هو أن اسمها «يعقِّد».. هل من تثريب على شخص واسع الاطلاع والمعرفة إذا لم يكن يعرف ليختنشتاين؟ أو حسب أنه أخو آينشتاين في الرضاع؟ وانظر إلى الجمهوريات عديمة الجدوى والمعنى التي سمعنا بها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي: قرقيستان، إنقوشيتيا.
على كل حال بارك الله في الخواجة البروفيسور برايان بترويوث من جامعة لندن الذي أثبت أنني من ذوي الاحتياجات الخاصة وأعاني من مرض اسمه دِيسكاكيوليا Discalculia الذي يصيب نحو 6% من بني البشر،.. والإنسان يولد بهذا المرض الذي يجعل المصاب به عاجزا عن فهم دلالات الأرقام لعلة عصبية/ دماغية، كما أنه يجد صعوبة في حساب «الفكة/الخردة»، أي يشتري شيئا فيعيد اليه البائع مبلغا من المال فلا يحسن الشخص المصاب بالديسكاكيوليا معرفة ما إذا كان قد تسلم «باقي المبلغ» الصحيح أم لا، ولا يفهم ما تحتويه بيانات الرصيد التي تصله من البنك، وربما يفسر هذا فشلي المزمن في «تكوين نفسي» رغم انني مغترب في منطقة الخليج منذ معركة ووترلو حيث انهزم نابليون وتم نفيه إلى جزيرة سانت هيلينا وتوجهت انا إلى الخليج.. والشكر موصول إلى السيدة هيلاري فريمانز التي وجدت الشجاعة لتكتب عن معاناتها من ذلك المرض في صحيفة التايمز اللندنية (عدد 10 يونيو المنصرم). وهكذا فإن جميع من كانوا يصفونني بالبلادة – مدرسين وطلاب – مطالبون بالاعتذار لي بعد ان ثبت علميا أنني أعاني من إعاقة.
حتى عام 1974 كان هناك صغار يوصفون بالكسل والخمول والغباء لعدم قدرتهم على القراءة والكتابة وتطوير ملكاتهم اللغوية ثم اتضح في تلك السنة أن شريحة كبيرة من الناس تعاني من بطء في التعلم وخاصة في مجال اللغة بسبب مرض اسمه ديسلكسيا Dyslexia.
بالمناسبة أنا أتكلم عن الإعاقة التي أعاني منها بكل جدية وأملي ان ينتبه أولياء الأمور والمدرسون إلى احتمال ان الطفل الذي يصفونه بالغباء والحمورية قد يكون يعاني من اضطراب يجعله بطيء الفهم في مجالات معينة، وليت الآباء والأمهات يكفون عن اجبار عيالهم على الالتحاق بالأقسام العلمية رغم أنوفهم لأنهم يريدون منهم ان يصبحوا أطباء ومهندسين.. بالمناسبة نحو 95% من قادة العالم خريجو أقسام وكليات أدبية!