ماذا يريد عمر الدقير !!
* عاصرت المهندس المهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني في جامعة الخرطوم وأعجبت بنشاطه السياسي وجرأته ووضوح أفكاره، وازددت يقيناً بغيرته على وطنه وجديته في التصحيح والإصلاح عندما تابعت نشاطه مع حزب المؤتمر السوداني، وعندما تولى رئاسة الحزب خلفاً للمناضل الجسور إبراهيم الشيخ الذي أثبت جرأته ووطنيته واخلاصه لوطنه وشعبه، وقدرته على الصدام والمواجهة مهما كلفه ذلك من تضحيات، وعدم تهيبه لاتخاذ المواقف الصعبة، والانحياز إلى جانب الحق، وكل ما عرف به من ميزات إستثنائية أخرى، لم أخش عليه، لمعرفتي بصلابته وجسارته، خاصة عندما ابتدر رئاسته للحزب بموقف شجاع فى مواجهة صلف النظام وأجهزته القمعية جعل الجميع يطمئن على الكرسي الذي كان يجلس عليه أحد أفضل السياسيين السودانيين في العشرين سنة الأخيرة، والذي آثر ان يفسح المجال لغيره في رئاسة الحزب وهو في قمة نشاطه وحيويته ونجوميته، الأمر الذي لم يسبقه إليه سياسي سوداني في التاريخ الحديث!!
* غير أننى لاحظت ان النشاط الجماهيرى للحزب تضاءل كثيراً، سواء على مستوى القيادة، أو القواعد التي كانت لا تهدأ لحظة في العمل وسط الجماهير رغم القمع الشديد الذى كانت تُواجَه به من أجهزة النظام، بعد جلوس المهندس عمر على كرسي القيادة، الى أن جاء وقت إختفى فيه الحزب تماماً، ولم يعد أحد يسمع له صوتاً أو يشعر بوجوده في الشارع!!
* تزامن ذلك أو تلاه بوقت قليل تغيير دراماتيكي في مواقف الحزب من النظام الحاكم، أو من حلفائه في المعارضة، حيث تبدلت المواقع بشكل سريع وغريب، وصار الحزب أكثر قرباً من النظام، وليس في هذا غرابة في القضايا الثانوية، أما في القضايا الجوهرية والمبدئية، مثل الديمقراطية وحقوق الانسان، وبسط العدالة، والأسس العادلة التي ترتكز عليها المصالحة، فالتغيير لا يجوز ولا يعني للمراقب سوى شيء واحد هو ركل المصلحة الوطنية، والانضمام مجموعة احزاب التسويات والمناورات والألاعيب السياسية الحزبية التي ألقت ببلادنا في هاوية عميقة وهزمت أحلام وتطلعات الشعب!!
* لا اتحدث عن موافقة حزب المؤتمر السودانى بالتوقيع على خارطة الطريق (يوم الإثنين القادم) أو تنازله عن الشروط التي كان يطالب بها للتوقيع، مثل المؤتمر التحضيري ..إلخ، فهو قراره وحده، بل عن ركله بكل سهولة لحلفائه فى الداخل، وتخليه عن مطالبته الدائمة ببسط الحريات التى لا غنى عنها للحياة العزيزة الكريمة، وهو مطلب جماهيري في المقام الأول وأحد اسباب الخلاف الجوهرية مع النظام، بالاضافة الى تنازله عن الأسس العادلة للمصالحة، وهي أسس لا يمكن لمن يبحث عن مصالح شعبه أن يتخلى عنها أبداً لأنها جوهر العدالة، وبدونها لا يمكن ان تتحقق المصالحة بأي حال من الأحوال ولا تصفو النفوس، وهنالك الكثير من التجارب الاقليمية والدولية التي يمكن النظر اليها فى هذا المجال!!
* ليس ذلك فقط، بل صار المهندس عمر أقرب فى لغته إلى لغة الحزب الحاكم وسدنته، وسخر فى حوار صحفى مع الزميل (الزين عثمان) في جريدة (اليوم التالى) الغرّاء من المعارضة قائلاً “بأن توقيعهم (حزب المؤتمر السوداني) على الخارطة لا يعنى إغلاقهم الطريق أمام الراغبين فى تحقيق الانتفاضة الشعبية، التي هي فعل متراكم وليس حديث اجتماعات وعناوين فى الصحف”، بل، وكما قال الزميل (الزين)، رفع نبرته بالتحدي للمعارضة ساخراً منهم ” أخرجوا الى الشوارع وستجدوننا معكم إن لم نسبقكم عليها”، ووصف المعارضة بـ(المشوشين) وما تفعله بـ(التشويش)، فما الفرق بينه وبين لغة نافع على نافع وغيره من زبانية المؤتمر الوطني الذين ما فتئوا يسخرون من المعارضة كل حين !!
* يجب أن تعرف يا عمر بأن الاختلاف مع المعارضة لا يعنى السخرية منها والاستهزاء بها، خاصة أنك مُقدِم على خطوة يصعب التراجع عنها لأنه لا يعني سوى (السقوط)، أما الاصرار عليها بدون تحقيق مطالب الشعب، فهو (السقوط الكبير)، وإن كان بعض الاحزاب قد اعتاد على هذا النوع أو ذاك أو على النوعين، ولم تعد تأبه بنظرة الشعب إليها، فلا يسرنا ان يكون حزب المؤتمر السوداني الذى ورثته من مناضل محترم، أحدها!!