حذار من التفاصيل ..!
«الحُزن الروتيني هو الحزن المختبئ في تفاصيل الأشياء» .. محمد حسن علوان ..!
ذات نهار ربيعي الملامح، وبفضل قرار يومي روتيني تتخذه ملايين النساء من ربَّات البيوت في كل أنحاء الدنيا، تغيرت أشياء كثيرة – في حياة «سهير» – إلى الأبد .. كان ذلك القرار هو «ماذا تطبخ على الغداء» ؟!.. غداء لشخصين كالعادة، هي وزوجها الذي بات يكثر من التظارف والتضاحك، ويثني – ياللعجب – على كل ما تقول وتفعل طوال الوقت .. بل ويلتهم كل ما تطبخ بتلذذ مبالغ فيه ..!
لسبب لا تدريه، كانت «سهير» رهينة خوف غامض من حالة الهدوء والسلام المبالغ فيهما، تشعر أن شيئاً ما يتسلل في الخفاء، وهو يوشك أن يسلبها عزيزاً، لكنها نفضت عنها الهواجس، وقررت الاتصال بصديقتها الجديدة «ندى» لتأخذ منها وصفة «المكرونة بالباشميل» اللذيذة التي تذوقتها عندها ذات عزومة..!
التقت الصديقتان قبل بضعة أشهر، وسرعان ما توطدت العلاقة بينهما، وكثرت زيارات «ندى» إلى بيت «سهير» .. في مرح مبالغ فيه أخبرتها «ندى» أنهما متفقتان – تقريباً – في الطريقة والخطوات المتبعة، لكن الاختلاف يكمن في بعض التفاصيل (سر اللذة يكمن في التفاصيل يا عزيزتي .. هي التي تجعل من الفسيخ شربات أو العكس) ..!
لا تعلم «سهير» لماذا تذكرت زوجها وأسباب خلافاتهما التافهة، عندما سمعت صديقتها الجديدة تتحدث عن خطورة التفاصيل! (السر في خلطة الباشميل .. ثم بعض الزبدة وشرائح الجبن الأصفر.. والقليل من البقسماط لتجميل الوجه .. فهمتِ) ..؟!
مؤكد أن «سهير» قد فهمت سر الطبخة.. وإلا لما شكرت «ندى» بكل تلك الحرارة..!
قبل أن تنهي الاتصال كررت «ندى» على مسامع صديقتها الجديدة أن سر الطبخة يكمن في «بعض التفاصيل» ..!
على مائدة الغداء كان زوجها يتظارف ويمتدح الطعام كعادته مؤخراً.. أخبرته أن
الوصفة مختلفة قليلاً (غيرتُ الطريقة إلى الأفضل بفضل نصائح صديقتي الجديدة «ندى»)، قبل أن تسأله عن رأيه في مكرونة الباشميل بثوبها القشيب، لتشنف أذنيها بالمزيد من مدحه بعد أن بات يعرف جيداً كم أن الغواني يغرهن الثناء ..!
– يا سلاااام لذيذة والله.. السر في التفاصيل ..!
– …………؟!
– التفاصيل يا عزيزتي هي سر اللذة.. هي التي تحول الفسيخ إلى شربات!
– ………….؟!
بقيت «سهير» صامتة تفكر في موضة «التفاصيل» التي غزت حوارات يومها هذا.. وبينما كان زوجها منهمكاً في غسل يديه، كانت هي تفكر في أوجه الشبه بين حديث صديقتها ونبرة زوجها، عندما لاحظت – بهلع بالغ – تطابق بعض «التفاصيل» ..!
بحسبة بسيطة ربطت «سهير» بين تاريخ ظهور «ندى» في حياتها وزياراتها المتكررة لمنزلها وبين ذلك «الروقان» واللطف المفاجئ الذي بات يغلف سلوك زوجها.. هكذا إذاً! .. هتفت بنظرات ذاهلة ونبرات تنبئ بالوعيد ..!
عاد الزوج «المتظارف» إلى المائدة، وهو يدندن لحناً هادئاً، ليجد العاصفة بانتظاره ..!