جعفر عباس

ذو الأنف الطويل


لست كثير الشكوى، بل ابتعد عن كل من يحترف الشكوى من اعتلال الصحة أو قلة المال أو عدم نيل ترقية، كما أنني لست ميالا إلى تقديم النصح لمن لا يطلبه مني، ما لم تكن تربطني به علاقة دم أو مودة قوية، وفي الوقت نفسه لا أستشير أحدا في أمر عائلي «خصوصي»، إلا أن هناك من يتطوع بين الحين والآخر لإسداء نصح لم أطلبه، ومن المشاكل التي تشغل بالي الحالة الصحية لزوجتي، فبسبب انضغاط عصب في منطقتي العنق والظهر فإنها تعاني من آلام متواصلة تمنعها في أحيان كثيرة تصريف بعض شؤون البيت، (ومن ثم فأنا والعيال نتعرض لأوامرها التي لا تنتهي، لأنها تحب النظام والترتيب، في حين أنني وعيالي لا نبالي بالفوضى ونستمتع بها أحيانا)، ومعاناة زوجتي تلك ليس سرا، بل إن جميع أقاربنا وأصدقائنا يعلمون بها، وهي على كل حال ليست طريحة الفراش ولا عاجزة عن الحركة وكل ما هناك هو أن المجهود الجسماني مدة طويلة يسبب لها آلاما مبرحة، فنحرص من ثم على تجنيبها المهام الصعبة، ونخرسها بأقراص طبية تسكت الألم واللسان.
وقبل حين من الزمان سألني صديق عن أخبار المدام وصحتها، فقلت له: الحمد لله حالتها مستقرة طالما أنها مرتاحة جسديا. وبدأ صاحبنا يقول كلاما طيبا عن أهمية دور الزوجة والأم في رعاية شؤون الزوج والعيال والبيت، وقال: إن كل من يعرف زوجتي يمدحها لكونها سيدة طيبة وخلوقة و«خدومة» وتعرف الواجب. «ولحدِّ هنا كويسين!»، ولكنه تحدث عن ضرورة قيامي بمبادرة لتخفيف العبء على زوجتي فقلت له: إنني طفت بها مستشفيات أربع قارات بحثا عن مخرج غير جراحي يعالج آلامها! وأحس صاحبنا أنني غبي فدخل في «الموضوع» وقال إنه يرى أن من حقي أن أتزوج بأخرى ترعى شؤوني وشؤون عيالي، وتساعد المدام في تصريف شؤون البيت.
قلت له بالحرف الواحد: هل تعتقد أنني كنت جاهلا بحقوقي في التثنية والتثليث والتربيع، وكنت في انتظار شخص فاعل خير عبقري مثلك لينبهني إليها! ولأن الشخص الحشري بارد بطبعه فقد رد علي بقوله: الإنسان ومهما بلغت درجة وعيه قد لا يتوصل إلى حل لمشكلاته بينما الحلول متاحة!
سأحدثكم عن عيب كبير في شخصيتي: بصفة عامة أنا ميال إلى المرح والفرح ولكنني سريع الاشتعال عندما يتخطى من يتعامل معي الخطوط الحمراء للتهذيب والاحترام، وهناك أناس لا أطيقهم، أولهم المتغطرس، ثم الغبي الذي يتذاكى، ثم الجلف قليل الذوق ثم فيفي عبده، ثم فاروق الفيشاوي والكوسى! نظرت إلى صاحبي ذاك نحو عشر ثوانٍ مستعيذا من الشيطان؛ لأن أول ما خطر ببالي عندما اقترح علي الزواج بأخرى هو أن أصفعه! أو أصيح فيه: فِز واطلع من بيتي، ولكنني لعنت إبليس وأخذت نفسا عميقا وقلت له: أتزوج على زوجتي لأنها تعاني من آلام تمنعها أحيانا من تصريف شؤون البيت؟ هب أنها كانت أو صارت معاقة –لا قدر الله- هل تعتقد أنني سأخفف وقع آلامها ومعاناتها بالزواج من ثانية؟ ثم طالما أن الزواج بأخرى يتعلق بمساعدة زوجتي على إدارة الشؤون المنزلية هل تقترح لي الزواج «خدامة»؟ أم أن لديك قريبة بائرة وصلاحيتها منتهية وتريد أن تشبكها في رقبتي! حاول الرجل أن يؤكد لي أن قلبه عليّ وأنه اقترح موضوع الزواج «لمصلحتي»، فسألته: ومن أعطاك حق رعاية مصالحي؟ وهل تعتقد أنك أكثر مني رجاحة عقل حتى تعطي نفسك حق الوصاية علي. وقلت له فيما قلت: حتى لو سمعت بوفاة زوجتي إياك أن تقترح عليَّ الزواج.
أدرك الرجل أن استمراره في مناقشة ذلك الموضوع سينتهي به في قسم العناية الفائقة في المستشفى، فاعتذر لي وخرج ولم يعد، بعد أن عرف أن زوجتي ليست هيونداي أو تويوتا أو بي أم دبليو أستبدلها أو «أركنها على جنب» إذا أصيبت بعطل.