عبد الجليل سليمان

تجار النضال والوطنية


لأسبابٍ عديدة معقدة وشائكة ظل مُصطلحا (الوطنية والنضال) بعيدين عن النقد، ومن ثم التطوير على المستوييْن النظري والعملي، بجانب أنهما لم يحظيا بالقدر الكافي من التفسير في سياقهما التاريخي والراهن (خاصة في دول العالم الثالث) بقدر ما حظيت مصطلحات أخرى، حيث ومنذ خروج المستعمر، لم تعرف جُلها على المستويين السياسي والإداري إلاّ نظام الحزب الواحد، وبالتالي فإن مفهومي النضال والوطنية ظلا مرتبطين ذهنيًا ووجدانيًا بما تسمى حقبة (النضال) ضدّ المستعمر، وهي حقبة شديدة الالتباس في (عظمها)، لذلك من الطبيعي أن تُطور معانٍ عكسيّة وسلبية فيما يلي كثير من المصطلحات السياسيَّة والفكريَّة التي تم إنتاجها تحت ضغوط هائلة من ما تلى الاستعمار أنظمة (وطنية) لا تزال قائمة بأفكارها ومناهجها وضوابطها وآلياتها.
والحال، إن (سلطات/ حكومات) ما بعد الاستعمار استخدمت ولا تزال المصطلحين بطريقة بائسة وفجة مرات عبر دمجهما في جملة واحدة (النضال الوطني)، وأخرى عبر تفكيكهما ما استدعى الأمر والحدث، لكن ذلك لا ينفي أن بؤس وفساد استخدامهما في العمل السياسي ظل يثمر (سلطة وحكماً مستبداً) على الدوام، ولذلك تعرضا لعلميات غش وتزوير كبيرة في معنييهما توطئة لنهب (السلطة) ومن ثم احتكارها.
ولأن احتكار (النضال والوطنية) وحقنهما بمعانٍ تفضي إلى تخوين الآخر المناؤي باتهمامه بـ (عدم الوطنية) وخيانة الوطن، وهكذا ظلت الحكومات والمعارضات في دول العالم الثالث تتاجر بالوطنية والنضال – على التوالي – من أجل الحصول على السلطة وليس من أجل النهوض بدولها وشعوبها وتنميتها وتطويرها كما تدعي، والحال بعد عقود طويلة من خروج الاستعمار عنها يغني عن السؤال.
ثمة ملاحظات مهمة نوردها في هذا السياق، أولها إنتاج مصطلح (تجار الدين) لتوصيف تيارات الإسلام السياسي الحركي التي انخرطت في المنازعات السلمية والعنيفة من أجل الوصول إلى السلطة، وبظني أن المصطلح صحيح، لجهة أن تلك التيارات تتوسل الدين لتحقيق أهداف سياسية محضة غايتها (كرسي الحكم)، لكن في المقابل تتوسل التيارات (المدنية) ذات الصبغة الليبرالية أو اليسارية (النضال والوطنية) للحصول على ذات الكرسي عبر طريقين لا ثالث لهما إلا نادرًا- وهنا أتحدث عن العالم الثالث بالضرورة – وهما الانقلابات العسكرية وما يسمى النضال المسلح، وفي سياق التنازع هذا تشهر التيارات الإسلامية سلاح التكفير في وجهة مناوئيها فيما يشهرون ضدها سلاح التخوين واللا وطنية، ويظل الطرفان مستغرقيْن كل في لجته فيما تتسرب الأوطان من بين الأصابع التي تقهر الشعوب وتذلها وتركعّها، وأكثر من فعل ذلك بدول العالم الثالث هم تجار النضال والوطنية، إذ لم يحظ تجار الدين بالسلطة إلا بأقدار ضئيلة، ففعلوا الأفاعيل وارتكبوا الأعاجيب.