جعفر عباس

لا بد دون الشهد من البسكويت الماسخ


أعاني منذ سنوات من ارتفاع في ضغط الدم الشرياني، ولم أجزع عندما اكتشفت تلك العلة، فقد كنت أتوقعها بوصفها نصيبي من «الورثة»، وبما أنني من النوع الذي لا يهمل توجيهات الأطباء، فقد بقي ضغط الدم عندي تحت السيطرة، فلا شيء يؤدي إلى ارتفاع الضغط يدخل جوفي عبر الفم أو الأنف، واستغنيت عن الملح بدرجة كبيرة واستعيض عنه بالليمون.
طبعا هناك أشياء ترفع الضغط ولا يد لي فيها، وأولها خطب الزعماء العرب من فصيلة المعلقات التي يستغرق القاؤها أكثر من ساعتين، ورغم ان معظم أبناء وبنات جيلي يعتبرون تذوق غناء أم كلثوم دليلا على رهافة الحس والسمو العاطفي، إلا أنني لم أفلح قط في متابعة أي اغنية لها أكثر من دقيقتين، وهي -ما شاء الله عليها- كانت تؤدي الأغنية الواحدة في ساعتين وربع الساعة.. ومعظم القنوات التلفزيونية أيضا تسبب لي ارتفاعا في ضغط الدم، وكثيرا ما صدر عني سلوك شائن أمام عيالي عندما انفعل وانهال ضربا على شاشة التلفزيون بالجزمة وأنا أتلفظ بعبارات غير لائقة مثل: اسكتي يا بنت الكلب يا قليلة الحياء.. ثم أرى على الشاشة شابا مشبعا بهرمونات الأنوثة فأصيح «اخرج منها يا ملعون» وبالمناسبة فإنني استعير هذه العبارة من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي جعل منها عنوانا لرواية ركيكة قام بتأليفها.
وهناك الأجلاف الذين ترمي بهم الصدف في طريقك، تكون في مكان مثل المستشفى، حيث تلك الأبواب المزدوجة السخيفة، وتُبقِي الباب مفتوحا كي يمر من هو خلفك فيمشي حتى دون ان ينظر اليك. دعك من ان يقول لك شكرا. وهناك الكاربويات! هل تعرفهم؟ طيب هل تعرف الكاوبوي والكاوبويات؟ هم رعاة البقر في الغرب الأمريكي الذين -كما تفيد الأفلام- يقلبون كل شيء رأسا على عقب، ويجوسون عبر الشوارع يدوسون على الآخرين بسنابك خيولهم أو يطلقون النار على أناس لا تربطهم بهم صداقة أو عداوة! الكاربويات هم أولئك البلطجية الذين يقودون الكار (السيارة) ويستخدمونها بنفس الطريقة التي يستخدم بها الكاوبويات خيولهم ومسدساتهم، والكاربوي شخص بالضرورة ناقص العقل وأهوج لا يقيم وزنا لحياته ولا حياة الآخرين، وتؤكد الإحصاءات أن عدد ضحاياهم يفوق عدد ضحايا السكري والتدخين والمكبوس (قلت مرارا ان الكبسة أو المكبوس مشبعة بالكولسترول والديتول وثاني اوكسيد الكربون وأن خطرها على الصحة لا يقل عن مخاطر الشيشة) ولكن ولأننا لا نجد عيبا في أنفسنا ونعتقد ان مصدر السوء كله «أجنبي» فلا نجد في أي عاصمة خليجية جمعية لمكافحة الكبسة على غرار جمعيات محاربة التدخين ونشر الوعي المروري.
وقرأت مؤخرا عدة مقالات في مجلة تحمل اسم «السكري» فأصابتني «فوبيا السكر»، ولكنها فوبيا (رهاب) من النوع الحميد، الذي يجعلك تتوخى الحذر من دون أن تصاب بالهلع والوساوس والقلق، فقد صرت أقرأ كل ما يتصل بمسببات السكري، فبما ان الله أكرم عائلتي بأن لم يجعل السكري وراثيا فيها وهي التي تتوارث سلفا ارتفاع ضغط الدم، فإنني معنِيٌّ بصورة أساسية بمسائل التغذية والرياضة والجوانب السلوكية الأخرى التي تقلل احتمالات الإصابة بالسكري، وفي أول لقاء لي مع الدكتور السعودي خالد الربيعان المتخصص في أمراض الغدد والسكري في مكتبه، «طلب» لي غداء من الدرجة «أ» grade A ومنيت نفسي بوجبة دسمة فإذا بهم يضعون أمامي كوب شاي ومعه قطعة بسكويت، حسبت أنها مصنوعة من الخشب المضغوط، وقرأت ما كتب على غلافها ووجدت أنها مصنوعة من النخالة (الرَّدَّة)، ومنذ ذلك الحين صرت أشتري ذلك النوع من البسكويت بكميات تجارية، فيقوم عيالي بالتخلص منه من وراء ظهري لأنهم لم يستسيغوه.. وبيني وبينكم معهم حق.. حتى أنا أتعاطى ذلك البسكويت فيعطيني الإحساس بأنني في غوانتنامو، ولكن كما يقول المصريون «محدش بياكلها بالساهل».. يعني تحمل الأمر إذا كان العائد من تحمله أكثر فائدة لصحتك.