تحقيقات وتقارير

الحكومة تقول قولتها الفصل مدارس فتح الله غولن.. ايادي أردوغان التطهيرية تصل الخرطوم

نزل الرئيس السوداني، عمر البشير، عند طلب نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وأصدر فرماناً قضى بإغلاق كافة المؤسسات التابعة لرجل الدين التركي فتح الله غولن في الأراضي السودانية.
وتأتي خطوة البشير بعد أيام من قرار اتخذته الخرطوم بتأميم مدرستين يرتادهما حوالي 800 طالب، تتبعان لغولن المتهم بتدبير محاولة انقلاب فاشلة ضد الرئيس التركي.
وكان رئيس مجلس أمناء جمعية الصداقة السودانية التركية، الفاتح علي حسنين، قدّر استثمارات غولن في السودان بـ 20 شركة عاملة، في غضون وقت قال وزير الخارجية السوداني بروفيسور إبراهيم غندور بأنها اقل من ذلك بكثير.
نفي متكرر
غير ما مرة نفى الملياردير ورجل الدين التركي السالك لدرب التصوف غولن، من مقر إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية ضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة الشهر المنصرم، وهو ما يراه النظام التركي محض أكاذيب وذر للرماد على الأعين.
ذات الرؤية لما جرى تنطبق على خطوة الخرطوم التي رفضت محاولة الإطاحة بحكومة الإسلاميين في تركيا عبر آلية الانقلاب.
موقف باكر
وحتى في الوقت الذي سادت فيه حالة من عدم اليقين حيال ما يجري في العاصمة أنقرة وبقية المدن التركية؛ سارعت الحكومة السودانية لصياغة بيان مندد بالانقلابيين وهو الأمر الذي وضع الخرطوم ضمن أولى العواصم المؤيدة لأردوغان.
وبالرغم من السلوك الدبلوماسي للحكومة السودانية إزاء ما جرى للرئيس المصري المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مُرسي، فإن أنصارهم سارعوا بلافتاتهم العديدة لرفض ما جرى لمُرسي ووصفوه بأنه انقلاب كامل الأركان، بينما تطابقت الموقفين الحكومي والخاص بإظهار الإسلاميين تأييدهم المطلق لأردوغان القادم على صهوة برنامج إسلامي.
ملاحقة
ومع عودته إلى قصر الرئاسة الذي تعرض لضربة جوية بإذن من الشارع التركي، شرع أردوغان منذ اللحظة الأولى في تفكيك ما يعتقده خلايا تتبع لغولن سواء في الجيش أو المؤسسات الحكومية كما أوصد عدة مؤسسات تعليمية تخص غولن، جنباً إلى جهوده في التضييق على الأنشطة التجارية لخصمه بحسبانها كانت مغذي رئيسي لانقلابيي يوليو.
بيد أن مخاوف حقيقية باتت تسري في أوصال دول العالم من أن يتخذ أردوغان الانقلاب ذريعة لإقصاء خصومه والعمل على تمكين حزبه في مفاصل الدولة بما بات يعرف عالميا بالدولة العميقة.
ولم يكتف أردوغان بعمليات التطهير التي طالت المئات، وانتقل بمطالباته خارجاً بداية بالولايات المتحدة الأمريكية حيث طالب بترحيل حليفه السابق إلى تركيا لتتم محاكمته بتهمة الانقلاب والتآمر على نظام منتخب، ومن ثم الطلب من عدة دول تستضيف مؤسساته التعليمية بإغلاقها فورية بمزلاج غليظ.
وخلال احتفالية لإسلاميي السودان بدحر الانقلاب في تركيا، شارك أردوغان مؤيديه في الخرطوم الاحتفال عبر كلمة ألقاها مباشرة في اتصال بالإسكاي بي الذي كان له الفضل في عودته للحكم بعدما حث الجماهير التركية بالدفاع عن الشرعية.
ومن ثم حث أردوغان الحكومة السودانية بتتبع أنشطة واستثمارات غولن في بلادهم ووقفها بصورة فورية.
ويبدو أن الموقف السوداني -حتى في شقه الرسمي- داعم بشكل مطلق لبقاء الرئيس أردوغان، وبالتالي ذاك موقف يضع الخرطوم بداهة قبالة معارضي حزب العدالة والتنمية التركي.
تسريع الوتيرة
لا تريد الخرطوم في سابقاتها لرفض الانقلاب، التلكؤ في إنفاذ الطلبات التركية، وترك حبل التفسيرات على الغارب، بما يسمح للخصوم حياكة محاولات للربط بين الحكومة السودانية وبين رجل الأعمال التركي أو الذهاب إلى أن بلادهم تسعى للعب بالبيضة والحجر بإظهارها التأييد لأردوغان مع السماح لمدارس ومؤسسات غولن بمواصلة أنشطتها وكأن شيئا لم يحدث.
وللتأكيد على مواقفها -ربما- قال مسؤولون سودانيون إن توجيهات صدرت بإغلاق مدارس غولن بداية من مطلع العام الحالي وهو أمر بات حتمياً ولا رجعة فيه مع التحركات ضد أردوغان فكان أن تم تفعيل القرار تماشياً مع الموقف الرسمي.
ومن ثم تتبعت الخرطوم بقايا أنشطة حليف أردوغان السابق على أراضيها وأغلقت بقية مؤسساته.
أسوة
من غير المستبعد أن تكون الخرطوم حاولت ومنذ مدة بعيدة إغلاق مدارس غولن التي لا يعرف السودانيون الكثير عنها.
فالخرطوم عانت الأمرين حين سمحت للإيرانيين في وقت سابق بفتح مقار تعليمية وثقافية الأمر الذي اسهم في نشر الفكر الشيعي الذي تكن له الخرطوم أشد آيات العداء. وبينما يتبع غالبية السودانيين المذهب السني على طريق الإمام مالك فإن دروب السياسة كذلك فرقت الخرطوم وطهران وجعلت أجنادهما وجهاً لوجه في حروب اليمن التي يشنها التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، ويندغم فيه السودان ضد الأحواث الموالين لطهران.
وتعرف الخرطوم أكثر من غيرها أن اجتثاث الأفكار التي يتم تغذيتها عبر التعليم أمر في غاية الخطورة وأن مترتباته غاية في الفداحة إذ خسرت الأسر السودانية ما يزيد على 105 من أبنائها المنضمين لتنظيم داعش الإرهابي.
عليه وإن صح تآمر غولن على الديمقراطية في تركيا فما الذي يمنع من تحول تلامذته في الخرطوم موالين له يسعون إلى قلب نظام الحكم في الخرطوم مستقبلا؟ (هكذا يتساءل إسلاميو السودان).
عموما وإن كانت هذه الفرضية بعيدة عن التصديق فإن الخرطوم تعاطت معها بجدية سواء أكانت تقصد ذلك أم لا.
الحل من الخارج
لنقرر أن نظام الحكم في الخرطوم في حاجة ماسة إلى وجود أنظمة إسلامية حاكمة حول العالم.
فمحاولات الدفع بحركات الإسلام السياسي في العالم أمر يحتاج إلى تقديم نماذج مضيئة، وهو ما لا يتأتى لنظام الملالي في إيران، وبعيد المنال كذلك عن حكومات الإسلاميين المتعاقبة في الخرطوم سواء لعوامل خارجية كحالة الحصار المفروضة على البلاد منذ عقود أو داخلية تتصل بالهفوات التي تستدعي المراجعة بحسب الإسلاميين أنفسهم، زد على ما يجري في الداخل حالة المعارضة في شقيها المدني والمسلح جنبا إلى جنب مع حالة قبول الحاكمين لدى رجل الشارع البسيط صعودا ونزولا.
وتعاني حركات الإسلام السياسي ظروفاً صعبة.
وبالرغم من البدايات المبشرة التي تلت اندلاع ثورات الربيع العربي تراجعت شعبية الإسلاميين كثيراً فالتجأوا لإبرام تحالفات مع نظرائهم السياسيين كما جرى في تونس، أو انحنوا لثورة الشارع ضدهم بتأييد من قبل الجيش كما جرى مع نظام الرئيس محمد مرسي في مصر.
عليه يحتاج الإسلاميون من اجل وجودهم الآني والمستقبلي إلى نظام حاكم له مقبولية دولية وشعبية وقادر على تحقيق الرفاهية في ظل احترام للتعددية وحقوق الإنسان، فضلا عن التزام صارم بمبدأ التداول السلمي للسلطة، وفي ظل التعقيدات السابقة لا يتبقى في الساحة سوى التجربة التركية.
ضد الانقلاب
وإن تغافلنا عن حالة القبول التي يجدها أردوغان في الشارع السوداني في محاولاتنا للاتكاء على مقاييس السياسة؛ فإننا ندفع بسبب أخير يؤدي بالخرطوم إلى مناصرة أردوغان بالرغم من قبوله بالدستور التركي العلماني، وقبوله التطبيع مع إسرائيل، إذْ إنه وفي حال تم اقتلاع النظام التركي المنتخب بآلية الانقلاب، فقد يشجع ذلك خصوم الحزب الحاكم في السودان للانقلاب عليه لا سيما وإن معارضين كثر ينزعون عنه لبوس الشرعية ولا يزالون يعدونه مغتصباً للسلطة على صهوة المجنزرات ومقوضا لنظام ديمقراطي منتخب.
وإزاء الموقف في تركيا، لم يظهر موقف رسمي للقوى المعارضة السودانية يؤيد ما جرى هناك خلافا لبعض التدوينات الشخصية التي خطها منتمون للمعارضة في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومع ذلك فإن إسلاميي السودان لا يصفحون عن هذه الآراء الشخصية ولا يتناسون التباين الحاد في وجهات النظر مع خصومهم في الساحة إزاء ما جرى -كذلك- لنظام الرئيس محمد مُرسي. فالإسلاميون ما يزالون عند موقفهم بأن ما جرى في مصر انقلاب كامل الأركان فيما في المعسكر المعارض ما تم ثورة شعبية لا مراء فيها.
وغض الطرف ما إذا كان موقفهم مبدئيا -كما يقولون- أو يقوم على تكتيكات البقاء في الحكم -كما يقول خصومهم- فإن الإسلاميين في السودان انتظموا في الجوقة الدولية برفضهم لفكرة الانقلاب، وإن كانوا اتوه قبل 27 عاماً، ما يدفعهم لقلب ظهر المجن لكل مؤيد له لا فرق في ذلك بين غولن وبين تحالف قوى الإجماع المعارض.

الصيحة