أديس أبابا.. لم تخب التوقعات
في مقالين سابقين عبرنا عن عدم تفاؤلنا إن لم نقل يقيننا بأن جولة ما بعد توقيع قوى نداء السودان على الخارطة ستفشل، ولم تكن مثل هذه التنبؤات تحتاج إلى عبقرية ولا حتى عمق بعيد في التحليل.. بل هي نتائج بدهية كانت تنظر إلى زخم التفاؤل والاستبشار بما بعد التوقيع في مرحلته الحالية، تنظر إليه كنوع من الترف والمبالغة في التفاؤل الحالم .
بين الحكومة وهؤلاء هوة سحيقة من عدم الثقة في نوايا بعضهم البعض، لذلك كان الخلاف حول طريق ومصدر المساعدات الإنسانية كفيلاً بإعادة أغطية أقلامهم ولملمة أوراقهم من الطاولة والتأهب للانصراف .
الثقة هي السلعة النادرة في سوق أديس أبابا التفاوضي والذي يستطيع توفير كل شيء على طاولات التفاوض إلا ثقة الأطراف في بعضها، خاصة وأن النوايا لم تكن مخفية بما يكفي بل كانت نوايا ملوحا ومصرحا بها قبل الجلوس وقبل حتى التوقيع على خارطة الطريق .
من وقعوا على خارطة الطريق كانوا حتى لحظة وصولهم إلى بوابة قاعة التفاوض يهمسون لأجهزة تسجيل الصحافيين بما يؤكد أنهم سيختلفون .
التوقيع على خارطة الطريق لم يكن رحمة بالمواطنين الذين يعيشون في مناطق الحرب بل هي رحلة قصيرة لأداء واجب المجاملة ورفع اللوم من المجتمع الدولي ..
هو مجرد مشهد في فيلم عربي من أفلام الستينيات حين كان الاحتفاء حينذاك بالكاميرا والإضاءة والصوت أكبر من الاحتفاء بحبكة السيناريو ومحتوى رواية الفيلم .
مشهد ركيك لكنه أليم جداً هذا الذي حدث في أديس أبابا.. لأن الطاولة كان عنوانها وقف العدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية لكنها انفضت بلا اتفاق، وبلا إنسانية..!.. وبلا توافق على إيصال المساعدات للمتضررين من الحرب.. انفضت بغير اتفاق على معالجة ملف عاجل ويرتبط بقضية حياة أو موت وتشرد لنساء وأطفال وشيوخ هو طريق المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب .
فشلت جولة أديس لأن من يتاجر بأرواح أهله ويستفيد من الحرب لن يرغب في تحقيق السلام، لكن يجب أن تنتبه شلة الحرب المغادرة لأديس أبابا الآن إلى أن عرقلة الملف الإنساني سيحتفظ بها التاريخ كعورة دائمة ووسم لن يزول، وأن معظم الناشطين المعارضين وحتى أولئك المتطرفين جداً منهم الذين يعارضون الحكومة في الداخل والخارج الآن، تجدهم وبنفس مقادير غضبهم من الحكومة هم أيضاً يكيلون اللعن والسباب للمعارضة ويتهمونها حتى في أجنداتها ولا يقفون خلف هذه القوى السياسية أو الحركة الشعبية وبقية حملة السلاح بل الكثير منهم يلخصون موقفهم باختصار ويقولون (لا معارضة ولا حكومة..) .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.