نساء يستأهلن الضرب
صارت أخبار المشاجرات في صالات الأفراح السعودية بين النساء، موالا شبه ثابت في الصحف العربية، وتدور كلها -تقريبًا- حول اكتشاف أن امرأة ما نجحت في «تهريب» هاتفها الجوال (أبو كاميرا) واستخدامه لالتقاط صور للمشاركات في حفلات الزواج، فتقوم مجموعة من النساء بالهجوم عليها لمصادرة الجوال ومسح ما عليه من صور، بينما الرجال يسدون مداخل القاعات منعًا لهروب صاحبة الجوال، وينقسم الحضور داخل الصالة إلى فريقين: قريبات وصديقات صاحبة الجوال يدافعن عنها والغالبية يحاولن الفتك بها، فتختلط الحامل بالخامل والآنس بالعانس والسلاح النسائي المفضل في المعارك هو حقائب اليد ثم الأحذية.
المسألة «على بعضها» مزعجة، ولكنني أتعاطف مع من يهاجمن مستخدمات الجوال ذي الكاميرا لالتقاط صور الناس على غفلة منهم، وفي الحفلات النسائية تتخلص كثيرات من قيود الاحتشام المعهودة ويمارسن الرقص والنطنطة، وهذا من حقهن طالما أنه لا وجود لرجال من حولهن، وعموما فأن يقوم شخص ما بالتقاط صورتي من دون إذن مني حتى وأنا أصلي فذلك انتهاك لخصوصيتي، وطالما أن هناك من يعانون أمراضًا أخلاقية فتاكة ويستخدمون صور بنات الناس للتلاعب بها ثم نشرها عبر الهواتف والإنترنت لإلباسهن تهمًا جائرة، فمن الطبيعي والبديهي أن تستنكر النساء السعوديات قيام بعضهن بتصويرهن خلسة، لأن التصوير خلسة يعد في حد ذاته دليل سوء نية وطوية، وينطبق هذا الحكم على برامج الكاميرا الخفية التلفزيونية التي تقوم عندنا على استغفال البسطاء وتصويرهم في أوضاع ومواقف تعكس سوء تصرفهم أو جهلهم أو حتى غباءهم، ومن ثم فلا تكاد حلقة من تلك البرامج تنتهي من دون ضرب ولكْم وشلوت. وعلى الرغم من هذا ينجح معدو تلك البرامج في إقناع أولئك البسطاء بأن الأمر مجرد مزحة و«ما فيها شيء لو نقلنا المشهد للجمهور، وانت راح تصير مشهور». وفعلاً يتم بث مشاهد البرامج ويصبح من ظهروا فيه مشاهير ولكن كبلهاء وسذج، ويظلون موضع تندر الناس حينا من الدهر.
الإنسان بطبعه يفضل أن تكون له خصوصية حتى وهو يعيش بين أفراد أسرته، لذا تجد البنات والأولاد يغلقون أبواب الغرف على أنفسهم وهم في سن مبكرة، فكل ما يريدونه هو بضع دقائق يخلون فيها إلى أنفسهم حتى لو ظلوا مستلقين على الفراش يحملقون في السقف من دون تركيز.. وفي الطائرة مثلاً، تجلس في مقعدك وتدعو الله سرًّا ألا يأتي أحد ليجلس في المقعد الملاصق لك.. وتحب الزوجة زوجها وبيتها ولكن تأتيها أحيانًا الرغبة في الخروج من البيت والابتعاد عن الزوج لزيارة صديقة أو قريبة تستعيد معها ذكريات معينة، أو لأن تلك الصديقة أو القريبة حلوة الروح والدم والجلوس معها يبعث السرور والابتسام.. ويحرص كثير من الموظفين على أن تكون لهم مكاتب مستقلة، لا لأنهم يكرهون بقية زملائهم.. بل كل ما هناك هو أن جلوس الإنسان بمفرده يعطيه الإحساس الذي يجعله صافي الذهن، وشديد التركيز في أمر من الأمور، وكل إنسان على وجه الأرض متميز، بمعنى أنه يختلف عني وعنك وعن سوانا في أشياء كثيرة! هل لاحظت أن كثيرا من المشاهير يهجمون على المصورين الصحفيين ويضربونهم ويحطمون كاميراتهم، بالرغم من اعتياد أولئك المشاهير على الأضواء؟ إذن ستجد العذر للنساء السعوديات العاديات اللاتي يمارسن المصارعة غير الحرة مع قليلات الذوق اللاتي يلتقطن صورهن خلسة. اضربوهن بالشباشب ثم صوروهن بهواتفهن وهن في قمة البهدلة.
ولي عتب على الصحفيين الذين ينشرون أخبار المعارك النسائية بسبب التصوير خلسة خلال الحفلات، وعلى القراء أيضا الذين يعتبرون تلك «الأخبار» نوعا من الطرائف، بينما هي تعبير عن «مواقف».. أخلاقية، وتستحق المرأة التي ترفض التصوير في أي موقع وموقف التحية وليس أن تكون مادة للضحك.