مثقال ذرة ..!!
:: ومما يحكى – عن شكل العلاقة بين أجهزة الدولة التنفيذية والرقابية والإستشارية – أن حاكماً كان يحكم دولته بنهج ديمقراطي.. وأراد ذات يوم تنظيم وقيادة رحلة لتفقد كل أرجاء البلاد سيراً على الأقدام ..وبعد إكتمال الرحلة، عاد إلى قصره مُنهكاً، وقد تورمت أقدامه من وطأة الطرق الوعرة التي سار عليها .. وأصدر مشروع قرار بتغطية شوارع البلاد بالجلود، بحيث لا تسبب الأذى للآخرين .. ثم حول مشروع القرار للمراقبين والمستشارين للمناقشة والتنفيذ..!!
:: وإجتمعت الأجهزة الرقابية والإستشارية لمناقشة هذا المشروع (غير المنطقي) .. ووجد السادة بتلك الأجهزة أنفسهم ما بين مطرقة تنفيذ المشروع ( كما هو) و سند رفض التنفيذ ( بلا بدائل) أو ( تعديل ) .. وفي خضم النقاش، إقترح أحدهم الحل الأمثل .. وافقوا عليه بالإجماع، ثم ذهبوا به إلى الحاكم.. ولم يكن الحل الأمثل غير قطعة جلد صغيرة وناعمة تم وضعها تحت قدمي الحاكم، ثم أن يصدر سيادته قراراً بأن يضع أفراد المجتمع مثل هذه القطعة تحت أقدامهم حين يسيرون في الطرقات .. وكانت الفكرة بداية مرحلة ( الأحذية).. !!
:: وعليه .. بتكامل أدوار أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والإستشارية تنهض الأمم، وتفرهد حياة الشعوب، ويكتمل الوعي بحيث يكون بمساحة الأوطان التي تحكمها تلك الأجهزة .. ومن الوعي أن يعرف كل فرد في المجتمع – مواطناً كان أو مسؤولاً – ما له من حقوق وما عليه من الواجبات.. ولكن هنا، كما في السواد الأعظم من الدول العالم الثالث ( والأخير طبعاً)، قانون القوة هو (الآمر والناهي)، وليست قوة الوعي ..ولذلك، أي لأن الطغيان يطغى على الوعي، لا يفرق الفرد – على مستوى المجتمع – ما بين (الحق والمكرمة)، ولا ما بين (الواجب والإكراه).. وبذات الطغيان – على مستوى الدولة – تذوب كل أجهزة التشريعية و الإستشارية في قمة الجهاز التنفيذي ..!!
:: وما أكثر الأمثلة وما أقبح النماذج، وآخرها – ولن يكون الأخير – ما يحدث حالياً بولاية البحر الأحمر .. لقد مارس المجلس التشريعي هناك ( دوره الرقابي)، إمتثالاً لدستور الدولة و الولاية، وبعد أكثر من عام ونصفه من الرقابة والمتابعة، قرر مساءلة وزير الشئون الإجتماعية بالحكومة الولائية ثم محاسبته على بعض القضايا – بسحب الثقة – كأول حدث في تاريخ هذه الحكومة المركزية .. نعم، فالشاهد أن النواب – بالبرلمان والمجالس التشريعية – يصلون حيث يصلي السادة بالأجهزة التنفيذية (ولو عكس القبلة)، ثم يكبرون لهم في قراراتهم بما فيها ما يستدعى (التكبير عليهم).. ولذلك، كان يجب أن يوثق ما حدث لهذا الوزير بالبحر الأحمر في موسوعة (غرائب غينيس) ..!!
:: ولا يمنع توثيق الحدث غير (قانون القوة).. بقانون القوة، وليس بقوة الوعي، سوف يبٌقي الوالي و الحزب هذا الوزير المُقال – بنصوص الدستورين -على منصبه .. وبقانون القوة، وليس بعنفوان الوعي، سوف يضرب الوالي و الحزب سُلطات المجلس التشريعي – وقرار سحب الثقة – بعرض الحائط .. لن تمر هذه (الظاهرة الصحية)، كما تشتهي العقول الواعية – والحالمة بمثقال ذرة من الديمقراطية – عبر قنوات الدستورين ( المعترف بهما) وجداول القوانين ( المعمول بها) ، بحيث يذهب الوزير محمد بابكر بريمة إلى الشارع .. فالحزب الحاكم بالبحر الأحمر قد وعد وتوعد بتدخل الحزب الحاكم بالسودان بحيث يبلع نواب المجلس التشريعي (قرارهم)..!!