زهير السراج

من لم يمت بالسيخ !!


* وكما إنتظرنا طويلاً أن يكشف المجلس الوطني وبنك السودان عن لصوص الشركات الوهمية الذين سرقوا أموال المرضى واستولوا على 30 مليون دولار من المال المخصص لإستيراد الدواء، ووقوفهم أمام المحاكم ذليلين حانيي الرؤوس وهم يواجهون الإتهامات بالتزوير والاحتيال والنصب والسرقة والاعتداء على المال العام وتهديد الأرواح، فذهب إنتظارنا ادراج الرياح والفساد، ولم نسمع بتوجيه إتهام أو فتح بلاغ ضد أحد، إلا إذا كان توجيه الإتهامات وفتح البلاغات في أقسام البوليس صار سراً مقدساً في سودان الدولة الحضارية، مثل غيره من إمور السادة، يجب أن يبقى طي الكتمان، وأن تجري المحاكمات في السر، لا يسمع بها العامة والعوام وشذاذ الآفاق، لحماية الشرف الرفيع من الأذى ..
* فلقد انتظرنا كذلك أن تكشف لنا وزارة الصحة الولائية بالخرطوم عن الشركات التي وجهت لها عياناً بياناً لها تهمة إستيراد وببيع الأدوية الفاسدة منتهية الصلاحية، التي لا تقل عن تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد بسبب تعريض حياة المريض للأذى (وربما الموت) لعدم فعالية الأدوية التي يتناولها .. ولكن لم نسمع شيئاً رغم انتظارنا الطويل، وكأنه قد كتب علينا في الدولة الرسالية أن نمت مرتين، مرة بسبب الفساد، ومرة بسبب التستر على الفساد !!
* سنة كاملة مرت منذ أن كشف وزير الصحة بولاية الخرطوم بروفيسور مأمون حميدة معلومات خطيرة أمام المجلس التشريعى الولائي (15 سبتمبر، 2015 ) بأن 10 شركات تقوم بييع الأدوية الفاسدة، بتمويل من شركة كبرى تتولى إدخال الأدوية عبر البر والبحر والتهريب، وصفها الشبكة الإجرامية ظلت تمارس هذا العمل منذ عام 2010 ، اي خمس سنوات كاملة بدون أن يتصدى لها أحد، وأشار إلى ضبط الأدوية الفاسدة في بعض المستشفيات منها مستشفى حكومي كبير وهدد بإغلاقها، ووجه اتهاماً للشركات بتقديم رشاوى لموظفين بوزارة الصحة لتسهيل عملها، ووعد بتقديمهم للمحاكمة، ولكننا لم نسمع شيئاً منذ ذلك الحين، إلا إذا جرت تلك المحاكمات في السر وحُبس المتهمون في سجون سرية!!
* نفس التكتم والسرية مارسهما وزير مجلس الوزراء أحمد سعد عمر مع مصانع السيخ المغشوش، أو (مصانع النعوش الطائرة) كما أسمتها الزميلة القديرة (سعدية الصديق) التي ذكرت في تحقيق بصحيفة الصيحة (28 يونيو، 2016 ) أن كمية الحديد المغشوش في سوقين فقط من أسواق الخرطوم (السجانة واللاماب) بلغت (10 آلاف طن)، وأن 99 % من عينات السيخ التي أُخذت من مصانع الحديد بالخرطوم بواسطة الهيئة القومية للمواصفات والمقاييس وُجدت غير مطابقة للمواصفات الصحيحة، مما جعل وزير مجلس الوزراء (الذي تتبع له الهيئة) يغضب ويتوعد بتقديم المخالفين للمحاكمة، ولكنه لم يقدم أحداً للمحاكمة ولم يكشف عن إسم صاحب مصنع، وظل اللصوص و(القتلة المحتملون) يتمتعون بالأمان والسترة في بيوتهم، ولا أستبعد أن يكونوا سادرين في صناعة النعوش حتى الآن، ولم لا إذا كان الوزير يضفي عليهم الحماية بالامتناع عن ذكرهم، وعدم تقديمهم للمحاكمة، فضلاً عن الأوامر الحكومية التي صدرت لغرفة منتجي حديد التسليح بالتكتم وعدم الحديث للصحف، حسب حديث رئيس الغرفة للزميلة (سعدية الصديق)!!
* وما ينطبق على السيخ والأدوية، ينطبق على البصات والقطارات والنفايات والأراضي والحاويات بأنواعها المختلفة .. وكل شئ !!
* هذا هو حالنا في الدولة الرسالية، فمن لم يقتله دواء فاسد، لن ينجو من سيخ مغشوش أو قطار ردئ النوعية، أو حاوية مخدرات، أو غبن مكتوم، أو في أفضل الأحوال .. رصاصة على الحدود المصرية الاسرايئلية .. !!