يوسف عبد المنان

خربشات الجمعة


أصدر “محمد شريف” المحامي رئيس نادي هلال كادقلي بياناً للرأي العام تجاوز الرياضة إلى الشأن السياسي العام وهو يكشف سوء حال الوسط الرياضي في هذا البلد، وانحدار بعض الناس لدرك سحيق من العنصرية البغيضة التي تهدد ما تبقى من وطن مهدد أصلاً بمزيد من التشظي وبث الكراهية.. “محمد شريف” الذي أصدر البيان لا ينتمي إلى الحركة الشعبية ولا حركات دارفور.. ولا هو جالس في الرصيف الوظيفي ينتظر أن تمطر عليه سماء السلطة بوظيفة تسد رمق أسرته.. “محمد شريف” جاء من صلب الحركة الإسلامية ومن قيادات المؤتمر الوطني (التنظيمي) و وهو عضو سابق بالبرلمان عن دائرة الأبيض، والآن وزير بجنوب كردفان.. ولكن رئيس لنادي الهلال كادقلي الذي ظل يتعرض لأبشع أنواع الظلم من الحكام حتى أصبح لاعبوه في حالة من (التوتر الدائم) لإحساسهم بأن عرق جبينهم مسلوب.. وكسب ضراعهم مهدور.. تحمَّلوا صنوفا من الظلم والأذى.. حتى طفح كيل العنصرية البغيض من حكم سب عقيدة لاعبي هلال كادقلي وجميعهم مسلمون باستثناء المحترفين الأجانب، وهؤلاء –أيضاً- مسيحيون.. ثم تمادى الحكم في توجيه عبارات عنصرية نابية تخدش في جدار الوحدة الوطنية وبث الكراهية وسط المواطنين، وقد جاء كل ذلك في بيان الوزير “محمد شريف” المحامي والقيادي في نقابة المحامين الوطنية، مما (أخرج) لاعبي هلال كادقلي عن (طورهم) ودفعهم لملاحقة الحكم.. إذا سب أحد عقيدتك ووصفك بالحيوان.. واحتقر لونك وجنسك.. هل تستطيع أن تقول له فقط ربنا يسامحك؟ أم تغار لدينك ووطنك الصغير ولونك وجنسك!! أندفع صغار لاعبو هلال كادقلي نحو الحكم الذي يستحق عقوبة جنائية وتطبيق الشريعة حداً إذا أثبت لاعبي هلال كادقلي ذلك، وقد اتخذ هؤلاء الشباب إجراءات قانونية بفتح بلاغات في الفاشر وأخرى في كادقلي مطالبين بحقهم العام لا الرياضي من حكم احتقر عقيدتهم وحط من قدرهم كبشر.. والإعلام ولجان الاتحاد الرياضي ينظرون فقط لقوانين كرة القدم التي لا تعلو على الشريعة مهما كان لتجريم لاعبي هلال كادقلي وتبرئة خنجر الحكم الذي كان حرياً بالعدالة في بلادنا أن تقتص منه لا لشيء سوى إثبات أن هذا البلد محمي بالعدالة والقانون.. ومن يهدد أمنه الاجتماعي وتنخر في جسده ليس التمرد الذي يحمل السلاح وحده، ولكن مثل ذلك الحكم أخطر أثراً على وحدة البلاد وتماسكها، وخسارة فريق كرة قدم لنقاط مباراة مسألة عادية واحتجاج لاعبي الفرق الرياضية مسألة مألوفة.. ولكن أن يبلغ الانحطاط.. بقاضي ملاعب وصف لاعبي فريق بأوصاف لا تكتب هنا.. ويسب عقيدتهم فإن هذا الحكم، أن صحت كل تلك الإدعاءات ، وإن كانت هناك عدالة حقيقية في البلاد يجب أن يذهب للسجن بعد إثبات إدعاء هلال كادقلي، وأن (لا يطبطب) على القضية في دهاليز اتحاد كرة القدم، لأن ما حدث جريمة كبيرة في حق الوطن الذي يئن من جراحات أقعدت به منذ الأسبوع بسبب سلوكيات هنا.. وهناك.
(2)
بغض النظر عما تسفر عنه تدخلات الحكومة المركزية في قضية سحب مجلس تشريعي البحر الأحمر الثقة من وزير الشؤون الاجتماعية الذي فرضه المركز على البحر الأحمر (فرضاً) مثل وزراء آخرين تناثروا في الولايات.. وهؤلاء الوزراء (المفروضين) من قبل المركز يعتبرون أنفسهم وزراء فوق الوزراء يتمتعون بحصانات استثنائية.. وولاء هؤلاء الوزراء في الغالب لديوان الحكم الاتحادي الذي فرضهم على الولاة.. ولكن مجلس تشريعي البحر الأحمر (جرَّب السم في الكديس) واتخذ قراراً ظل مفقوداً في الممارسة السياسية والتشريعية والرقابية، وبكل أسف جلدت أول ردة فعل من الوالي (المعين) – أيضاً – ترفض قرار البرلماني المنتخب وتشكك في سلامة الإجراءات، لأن الوالي على يقين بأن دور المجلس التشريعي (المرسوم) له ليس من بينه محاسبة الوزراء حتى بالتأنيب!! وقد ينتصر الوالي ومن خلفه المركز بكل ثقله وقدرته على فعل أي شيء.. وقد يبقى الوزير فوق إرادة المجلس التشريعي.. لكن كل ذلك يحفر عميقاً لدفن تجربة التعيين ووأدها إلى الأبد وبزوغ فجر عهد جديد فيه ينتخب الوالي من الشعب مباشرة وينتخب حتى المعتمد، كل ذلك ورد في توصيات لجنة الحكم والإدارة برئاسة د. “بركات موسى الحواتي” بمؤتمر الحوار الوطني.. وقد فشلت كل المحاولات التي جرت لتعديل تلك التوصيات وفشلت بإرادة أعضاء الحوار الوطني.. وحينما نتحدث عن تجربة المجلس التشريعي بالبحر الأحمر الذي استحق التقدير باتخاذه لموقف تاريخي في مواجهة سلطات المركزية والقبضة الحديدية.. فإن ذلك لا علاقة له بموقفنا الذاتي من الوزير الذي حاول البرلمان البورتسوداني الإطاحة به.. وهو صديق عزيز جداً وابن وطني كردفان.. ويعتبر “محمد بابكر بريمة” من القيادات الشابة في المؤتمر الوطني التي رعاها د.”فيصل حسن إبراهيم” وسقى شجرتها بماء عذب.. ود.”فيصل” شخصية نادرة جداً ومحبوب في كردفان أكثر من أي قيادي آخر.. وهو منصف جداً وعادل لا يعرف (الشلليات) ولا إرضاء المركز على حساب موقعه.. ولكن تلميذه النجيب “محمد بابكر بريمة” وجد نفسه في مواجهة تيار أخذ يتشكَّل في كل الولايات من الجزيرة والبحر الأحمر ودنقلا ونيالا.. يرفض الحكم المطلق للولاة.. والفساد المطلق وتغييب إرادة المؤسسات المنتخبة لصالح المؤسسات التي جاءت بالتعيين.. وقضية وزير الشؤون الاجتماعية بالبحر الأحمر بغض النظر عن الأخطاء الإجرائية التي اتبعت في إقالة الوزير، وهل فعلاً يستحق الإقالة أم لا؟.. إلا أن الممارسة في حد ذاتها مطلوبة بشدة، ويجب أن يصحو ضمير النائب أينما كان، وكسر قيود اللوائح التنظيمية والولاء للحزب والاحتكام للضمير وإرضاء رب العباد.. والجماهير التي انتخبت النواب وليس الولاة الذين لا يحترمون تلك المجالس ويعتبرونها مساحيق لتجميل وجه السلطة.. وحينما يصعد الوالي لمنصة مخاطبة المجلس التشريعي وهو مطمئن بأن الهتاف والتصفيق الذي يجده عند نهاية خطابه سيجعل أضواء الإعلام تتساقط أمامه لتبرز محاسن الوالي ومفاتن حكومته، لأن دوي تصفيق النواب يغطي على أنين ضمائر القلة التي رفضت أن تصبح كالنعجة وسط قطيعها.. إن ذهبت بعيداً عنه تخاف أن يتخطفها (الذئب)!! وذئب بعض المجالس التشريعية هم بعض من الولاة أنفسهم!!.
(3)
ليس بعيداً عن البحر الأحمر وقريباً من غرب السودان أخذ الأمير “عبد القادر منعم منصور” أمير عموم قبائل حمر.. وهو شخصية سياسية مثيرة للجدل.. وليس زعيم قبيلة مثل سائر الزعماء الآخرين، أخذ على عاتقه أن يتقدم على قيادات المنطقة من السياسيين والبرلمانيين ويخوض معركة جديدة.. في ظاهرها شيء وفي باطنها شيئ آخر.. معركة “عبد القادر منعم منصور” هي البحث عن ولاية خاصة بقبيلة حمر وعاصمتها النهود.. وحمر لا يقلون عدداً ولا مالاً عن قبائل أخرى (فصَّل) المركز لها ولايات بعينها كـ(حاكورة) خاصة بتلك القبائل.. وقد أعد الرجل نفسه لخوض معركة ولاية عاصمتها النهود أثناء الزيارة المرتقبة للرئيس لمدينة النهود.. وأعدت الحناجر لتهتف وقروبات الواتساب لتكتب.. واللافتات التي ترفع –الآن- في مطابخ الأمير كلما حاولت النخب تجاوزه وقتله.
نهض مرة أخرى لأن الأمير تسنده الجماهير وخصومه مسنودين من المركز والتنظيم والحركة الإسلامية.. بغض النظر عن مشروعية مطالبة أمير حمر بولاية خاصة؛ فإن هذا المطلب لا يقلل بالطبع من جهود الأمير الآخر “أبو القاسم الأمين بركة” الذي لو وجد التقييم المنصف والإعلام الذكي لأصبح اليوم من أفضل ولاة السودان عطاءً.. والنهود التي يطالب أمير حمر بأن تصبح عاصمة للولاية الجديدة حينما جاء “بركة” وجدها مدينة بلا شوارع ولا ماء ولا تليق الخدمات التي تقدمها الحكومة بأهلها.. وفي غضون عام وبضعة أشهر تبدَّل وجه المدينة وتغيَّرت.. والمسألة التي يبعث بها اليوم الأمير “عبد القادر منعم” هي رسالة موجهة للمركز – أولاً – وعلى الوالي الأمير “أبو القاسم” أن لا يشغل نفسه بها.. لأنها قضية لا تعنيه في شيء.. وهي مطلب قديم ظل يردده قادة وقيادات الجزء الشمالي من غرب كردفان قبل مجيء “أبو القاسم” إلى الولاية والياً معيِّناً من جهة المركز.
وكل جمعة والجميع بخير..