اقتلاع الأضراس الملتهبة يظل خياراً حاضراً “ثغر السودان”.. “نطاسو الوطني” هل يكتفو بقتل الجذور؟
انفجار الأوضاع السياسية في ولاية البحر الأحمر يكاد أن يفرط عقد حكومة الوﻻية الذي اجتهد المركز في اختيارها لمحو الآثار السالبة للحكم اللامركزي ومعالجة الأخطاء التي رتبها الاستقطاب وتفشي القبلية والجهوية الذي جعل الحكومة تعدل الدستور له لتعمل على انتداب كوادر قومية لرتق النسيج اﻻجتماعي.
ورغم مرور عام ونيف على الحكومة التي تولت سُدة الحُكم في ثغر السودان الباسم إﻻ أن التقاطعات السياسية في القرار والهنات وبقايا “نوائب” البحر الأحمر لا تزال باقية ومتجذرة وتقاوم أدوية العلاج… فهل سيفلح المركز في نظافة “الثغر” عبر استئصال “النوائب” أم سيجري عملية “علاج جذور” ويبقى “الضرس” بغية أن ينام السودان دون أوجاع وآﻻم في ثغره.. ذلك ما ستسفر عنه الساعات المقبلة عندما تخرج للعلن قرارات المباحثات التي تجري بالمركز العام للمؤتمر الوطني بالخرطوم بهدف لملمة الخلافات.
ضربة مغبون
بعد أن عزل المجلس التشريعي في الولاية، وزير الشؤون الاجتماعية، مستخدما سلاح سحب الثقة خرج والي الولاية، علي أحمد حامد، برد فعل مضاد وعزل وزير ماليته محمد طه عثمان.
واختيار عثمان ليكون كبش فداء لم يأتِ خبط عشواء فالرجل كان رئيسا للهلال الأحمر بالوﻻية، وجاء إلى الوزارة في صفقة الموازنات السياسية وﻻسيما أن الشاب بني جلدة الوالي السابق “ايلا” وينحدران من ذات المنطقة وما يعرف عنه أنه شاب متحمس حاول جاهدا أن يثبت وجوده وخلق أرضية له وسط أهله وعشيرته، لكن عزله جاء كرد فعل غاضب ورسالة ذات مضامين خاصة أراد أن يرسلها علي حامد إلى أنصار أيلا بالولاية.
ويقول نائب دائرة تهميم بالمجلس التشريعي للبحر الأحمر، سيدنا أدروب إن وزير المالية “المعزول” يتمتع بشعبية كبيرة وفرض نفسه على الوﻻية، وله وزن وثقل ﻻ يستهان به، لكن أدروب يستبعد أن يدخل عزل الوزير الوﻻية في حسابات معقدة ويستبعد كذلك ربط الإقالة بشبهات مالية أو ترسية العطاءات وما دار حولها من لغط.
تداعيات
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة البحر الأحمر، سليمان علي، في حديثه لـ(الصيحة) إن قرار إعفاء وزير مالية البحر الأحمر ﻻ ينفصل عن أزمة الـ(19) مليار التي عصفت بوزير الشؤون الاجتماعية، والتدخلات السياسية، مشيرا إلى أنه يرى خيوطا “عنكبوتيه” تربط بعضها لافتا إلى أن قرار الإعفاء رسالة “استباقية” من والي وﻻية البحر الأحمر، خاصة وإنه عقد مؤتمرا صحفيا قال فيه إن التغيير في الحكومة وارد في أي زمن ولن يتوقف إلى أن نقول “ضع القلم”… وفي اليوم التالي مباشرة أصدر الوالي قراره بإعفاء وزير المالية أو أن الوالي أراد أن يضيف مساحة للتسويات السياسية في المركز ليقول لهم: “هذا كتابي.”
فصل في دراما الصراع
حتى عندما حاول المركز العام للحزب الحاكم في الخرطوم، فرض “هيبته” وقام باستدعاء الوالي ورئيس المجلس التشريعي وبعض القيادات.. مثل الاستدعاء فصلا كوميديا في مسرحية الصراع التي تدور بالقرب مسرح “تاجوج” ببورتسودان ودرات مشاهد الفصل المضحك في مطار بورتسودان، وهم ينتظرون الطائرة لتقلهم جميعا إلى الخرطوم، ويمثل المشهد في أن رئيس المجلس التشريعي وأعوانه دخلوا إلى صالة كبار الزوار رقم (1) بينما ذهب الوالي وأركان “حربه” إلى صالة كبار الزوار رقم (2) ويبدو أن البون أصبح شاسعا واختلاف الرأي قد أفسد قضية الود بينهما هذا ما جعل الاجتماعات مع قيادة الحزب في الخرطوم تنعقد وتنفض دون التوصل إلى أي حلول رغم مضي ثلاثة أيام ويبدو أن الخرطوم لم تفلح حتى الآن في إعادة فرقاء بورتسودان إلى القومية “النبيلة” وأنهم حتى الآن يتمترسون خلف “عصبية القبيلة”.
خلل تنظيمي
النائب التشريعي سيدنا أرباب يعتبر أن ما حدث في البحر الأحمر حالة “شاذة ومعزولة” لكنه يشير إلى أنها حالة افتقدت كل النواحي المنطقية والأسس التنظيمية وأدبيات حزب المؤتمر الوطني، ويؤكد أنه تم إخطاره بعقد جلسة طارئة لمناقشة المشروعات الزراعية والدراسة المقدمة من وزير الزراعة لكنه تفاجأ باأجندة الأخرى المعدة سلفا، مبينا أن النقاش احتد مع وزير الشؤون اﻻجتماعية رغم أن رده كان مقنعا وقويا ويقول أرباب “يبدو أن بعض الأعضاء كان لديهم ترتيب مسبقا واقترحوا سحب الثقة” وأضاف “رفضت التصويت عليه لأني مقتنع بأن القرار قرار مستورد” مبينا أن القرار وما تبعه من تداعيات أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الرقابة المركزية والدورية للحزب تكاد تنعدم.
سحابة صيف وعودا حميدا
القرارات التي أصدرها المجلس في ذات جلسة سحب الثقة تتمثل في إيقاف استيراد أدوات النظافة وشراء السيراميك لرصف الطرق القت حجرا في بركة ساكنة، خاصة وإن تحدي المواجهات الحزبية قد أحرج المؤتمر الوطني واظهره كحزب “باهت” أمام الملأ، وأخرجت القرارات والي وﻻية البحر الأحمر عن صمته الطويل واغضبته وإن حاول أن يتماسك أمام الكاميرا ويحاول مداعبة الصحفيين لكنه شكر الوالي السابق موضحا بأن السيراميك الذي يتحدثون عنه وجده مخزنا في مخازن الولاية، وتم شراؤه منذ أيام الوالي السابق، وحول أدوات النظافة قال الوالي: “الرأي العام في المدينة اشتكى من تراجع مستوى النظافة لذلك قررنا استجلاب أدوات النظافة وهي مدرجة في الميزانية”.
انتظار
في ظل توتر الوضع يصعب التبؤ بما ستحمله الأخبار من الخرطوم، لكن تداعيات الصراع وانفجاره جعلت مواطني البحر الأحمر على امتداد الولاية يرقبون الأخبار لمعرفة ما تم داخل الغرف المغلقة بالخرطوم رغم أن مواطني الولاية يتوقعون أن يحصل تقارب في وجهات النظر وأن ينصرف الفريق للعمل لما فيه مصلحة المواطن. ويقول رئيس قطاع الاتصال التنظيمي بحزب المؤتمر الوطني ورئيس اللجنه المكلفة بالنظر في أزمة الولاية د. فيصل حسن إبراهيم لـ(الصيحة) إنهم لا يزالون في مرحلة الاستماع للطرفين ولم يصلوا لمرحلة اتخاذ القرارات بعد.
الصيحة