ذوات الثدي المرتج إلى البرلمان
من حسنات أو سيئات الديمقراطية أن الباب المؤدي إلى السلطة مفتوح لمن يرغب، وعلى الأقل من حق كل راغب في السلطة أن يسعى لبلوغها، ولكن، في واقع الأمر، لا يدخل برلمان أعتى الديمقراطيات إلا شخص مسنود بالمال أو بذوي النفوذ، ولولا أن خزينته الخاصة تئن من حمولتها من مليارات الدولارات لما تمكن شخص أخرق وأبله وخرنق مثل دونالد ترامب من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري الأمريكي لانتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل.
ولعل بعضكم يذكر إعلان فيفي عبده رغبتها في خوض الانتخابات البرلمانية في مصر، قبل نحو عشر سنوات، وربما لم تمض في ذلك الطريق لأن «جدولها» كان ممتلئا بالتزامات متلتلة تعود عليها بملايين متلتلة، وكان قد سبق لعطيات هذه أن بررت رغبتها في خوض غمار العمل النيابي من منطلق أنها «هرم مصر الرابع (لا تعرف عطيات؟ مسكين. هي بنت عبدالفتاح التي أطلقت على نفسها اسم فيفي ثم فازت في عام 2014 بلقب أم مصر المثالية!! وبعد كدا مفيش مصري يقول لي إن مصر هي أم الدنيا. مفهوووووم؟).
ثم جاء الدور على المطرب عمرو دياب، وألمح إلى أنه مش أقل من فيفي، وقال إنه أيضاً قد يرشح نفسه في الانتخابات، وكثير من المطربين والممثلين العرب يحسبون أن نجاحهم في مجالات الغناء والتمثيل لا يكتمل إلا بنجاحهم في الحياة العامة، ويحسبون أن تصفيق المعجبين والمعجبات في الحفلات نوع من الاستفتاء على شعبيتهم، وشيئاً فشيئا «يصدقون حالهم» ويحسبون المعجبين والمعجبات دراويش وتنابلة مستعدين لإيصالهم إلى كراسي البرلمانات.
ومن حق من تسميهم وسائل الإعلام بالنجوم أن يتساءلوا: اشمعنى في الدول الغربية يصبح الممثلون والمطربون حكاماً ورؤساء و«نحن لا»؟ أنا أجيب عن السؤال: لأن الممثل الذي يخوض الحياة العامة في الغرب يكون أصلاً عالي التأهيل ورأسه مليان بالثقافة والمعارف.. استمعوا يا نجومنا إلى الحوارات التي يشارك فيها ممثلون أمريكان –مثلا– استمعوا الى بونو وجورج كلوني وبوب غيلدوف وحتى جنيفر لوبيز، وستدركون أنكم، مقارنة بهم، جهلة وسطحيون وبلهاء.
كان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان ممثلاً من الدرجة الثالثة، ولكنه كان نشيطاً في الأوساط النقابية، وتمرس في العمل العام حتى صار حاكماً لولاية كاليفورنيا، وشيئا فشيئا وصل إلى البيت الأبيض، وحاكم كليفورنيا السابق هو آرنولد تشوارتسنيغر، وهو نمساوي الأصل، ومعرفته باللغة الانجليزية ليست بأفضل من معرفة الممثلة الكويتية انتصار الشراح بها، وكان الرجل أصلاً بطلاً في كمال الأجسام واستغلت هوليوود عضلاته وأسندت إليه بطولات أفلام «آكشن»، كلها ضرب وعنف وتدمير، ولكنه أدرك أن العضلات تذوي وتضعف بمرور الزمن، فوضع نصب عينيه دخول حلبة السياسة، وسانده الجمهوريون من جماعة حبيب الملايين جورج دبليو بوش، الجاهل العصامي، وفاز بمنصب حاكم واحدة من أهم الولايات الأمريكية.
ما لا يدركه بعض مطرباتنا وممثلينا وممثلاتنا هو أن قسماً من الجمهور قد يعجب براقصة ما، ليس لأنها «فنانة» تأتي بما لم يستطعه الأوائل، ولكن -ربما- لأنها خليعة وسخية في عرض بضاعتها بسعر التكلفة.. وتمايل الناس طرباً مع غناء مطرب لا يعني بالضرورة أنهم مستعدون للوقوف وراءه إلى نهاية المشوار حتى يدخل البرلمان. بعبارة أخرى.. إنه، في ساعة الجد، الشباب الذي يتماوج في المسارح يميز بين الجد واللعب، بل يعرف أن هذا المطرب صاحب الصوت الشجي رأسه فارغ، وأن المطرب الآخر قليل الظهور في وسائل الإعلام «فهمان ومحترم»، ولهذا لا يعتبر نفسه صنماً واجب العبادة كما يحسب مطربو ورشات (جمع ورشة) الصفيح.
صحيح أن الأمريكان كثيراً ما أخطأوا في اختيار قادتهم، ولكنهم ليسوا من العباطة بحيث يوصلون بلهاء مثلها إلى البيت الأبيض لتجعله «بمبي». وبالمناسبة فإن مجرد حديث بعض المطربات والممثلات العربيات عن حماسهن للقضية الفلسطينية يسبب لي هيجاناً في المصران الغليظ.. وخصوصاً عندما يتحدثن عن القضية بالركاكة المعهودة: يا عيني.. ده أنا بعيَّط لما أشوف الفلسطينيين بينضربو بالنار.. إنشاللا (إن شاء الله) شارون يموت.. بس شارون مات!! إن شاللا اللي بعده كمان يموت.