زواج مختلط في تركيا
سنويّاً، يرتفع عدد المواطنين الأتراك الذين يتزوّجون من أجانب. ويبدو الأمر طبيعيّاً نتيجة سفر المواطنين الأتراك إلى الخارج من جهة، وتحوّل بعض المدن التركية مثل إسطنبول وأنطاليا وغيرهما إلى مراكز جاذبة للهجرة سواء من دول الشرق الأوسط مؤخراً، أو من الدول الغربيّة وروسيا.
بحسب مركز الإحصاء التركي التابع للحكومة، زاد عدد الأجنبيّات المتزوّجات من أتراك في عام 2015 بنحو ألفَين، ليبلغ عدد هذه الزيجات 18 ألفاً و814. واللافت هذا العام هو زيادة نسبة العرائس السوريات، مع 19 في المائة أي ثلاثة آلاف و569 عروساً سورية، ثم الألمانيات بنسبة 14.3 في المائة (ألفان و695 عروساً).
هذه الأرقام لا تشمل بطبيعة الحال جميع السوريّات المتزوّجات من أتراك، إذ تستند هذه الإحصاءات إلى القيود المدنية. وبما أنّ تعدد الزوجات ممنوع في تركيا، فإنّ نسبة كبيرة من العرائس السوريات غير مشمولات في هذه الإحصائية. فبعضهن يقبلن بأن يكنّ زوجات ثانيات بسبب الفقر والخوف وعوامل أخرى، بعدما هربن من الحرب في سورية.
وقد شهد العام الماضي أيضاً ارتفاعاً في عدد النساء المتزوجات من أجانب، مع ثلاثة آلاف و566 زيجة. وكانت النسبة الأكبر للعرسان الألمان مع 38.4 في المائة (ألف و368 شخصاً)، ثم العرسان النمساويّين بنسبة 7.9 في المائة (383 شخصاً)، ثم العرسان السوريين بنسبة 6.8 في المائة (241 شخصاً).
تقول عائشة (50 عاماً) المقيمة مع زوجها الألماني في أنطاليا، إنّها ولدت في قونيا وسط الأناضول. وفي ستينيات القرن الماضي، هاجرت العائلة إلى ألمانيا. مع الوقت، لم تعد تربطها أيّ صلة بأقاربها في تركيا. تضيف أنّها تعرّفت إلى زوجها هانز يورغن في الجامعة، وقد عارض والدها الأمر ثمّ عاد وتقبّله “بعد جهد كبير”. تتابع: “لم يقتنع والدي بزواجي من غير تركي. كان الأمر بالنسبة إليه كارثة”. تضيف أنّ والدتها لم تستوعب حتى الآن أنّ يورغن ألماني. حين تراه يقوم بأيّ عمل منزلي مثل غسل الصحون أو كيّ الملابس، تؤنّبها.. “ما تفعلينه معيب للغاية”.
من جهته، يؤكّد يورغن أنّه كان ليفعل كلّ ما في وسعه بهدف الزواج من عائشة. يضيف: “لم أتخيّل يومياً الانتقال للعيش في تركيا. أعيش هنا منذ عشر سنوات بعدما تعلّمت التركية، وقد أسّست شركة سياحية تنظم رحلات للألمان في أنطاليا. أحبّ حياتي هنا”.
نورهان كاراتاش (33 عاماً) تعرّفت إلى زوجها الفرنسي ريمون خلال عملها في المركز الثقافي الفرنسي في مدينة إسطنبول، أثناء دراستها في قسم التلفزيون والسينما في جامعة غلطة سراي. وكان ريمون قد توجّه إلى إسطنبول لإنجاز فيلم وثائقي حول موسيقى الأناضول والبلقان. أحبّا بعضهما بعضاً خلال رحلاتهما معاً إلى مناطق مختلفة لحضور أعراس وتسجيل الموسيقى. تؤكّد أنّ عائلتها لم تعارض زواجها من فرنسي، “فأنا أتحدر من عائلة علمانية كمالية ووالدتي أميركية الأصل”.
بدوره، يقول ريمون إنّ البعض يعيش بحسب هويته الدينية والقومية، فيما لا يمكن أن يحدّ الدين من حرية آخرين. ويؤكد: “أنا من بين هؤلاء. إسطنبول اختلفت كثيراً منذ وصولي إليها وحتى اليوم. لا يمكنني القول إنّني واجهت صعوبات كبيرة في الحياة هنا، بل أعيش كما لو أنني كنت سأعيش في أيّ مكان في فرنسا”. يضيف أنّه تعلّم التركية، لكن “حين أتشاجر مع نورهان، أتكلم بالفرنسية”.
آية (22 عاماً) سوريّة تزوجت من أحمد، وهو تركي، العام الماضي. تقول: “بعد الحرب التي اندلعت في سورية، انتقلت وعائلتي إلى هنا”. بعد انهيار السلطنة العثمانية، قسمت الحدود عائلتها بين سورية وتركيا. تضيف: “كنّا نعيش في مدينة القامشلي، فيما مكث أفراد العائلة الباقون في ولاية ماردين. بقينا على تواصل. وخلال محاولتي تعلم اللغة التركية للالتحاق بالجامعة، كان أحمد يساعدني. أحببنا بعضنا وطلبني للزواج”. وتتابع: “على الرغم من أنّنا من عائلة واحد وثقافة واحدة، إلا أنني واجهت بعض الصعوبات. في جنوب تركيا، لا تجد اهتماماً بتعليم الفتيات على الإطلاق. زوجي كذلك لم يساندني للالتحاق بالجامعة”.
جاغلار إرتاش (33 عاماً) تعرّف إلى زوجته الرومانية مريانا عبر الإنترنت. وبعد نحو عامين ونصف العام قررا الزواج، وهما يقيمان حالياً في مدينة إسطنبول منذ خمسة أعوام. يقول: “تعرّفت إلى مريانا، بينما كانت تدرس الاقتصاد. ذهبت إلى رومانيا سبع مرّات، فيما أتت هي إلى تركيا ستّ مرّات. لاحقاً قررنا الزواج وصارت لدينا طفلة”.
لم تواجه مريانا صعوبات تذكر في تركيا. تقول: “لم يكن هناك اختلاف في الثقافة. لكنّني عانيت بعض الشيء في العيش في مدينة بحجم إسطنبول ونمطها السريع. لا يمكن مقارنتها بأيّ مدينة رومانية”. تضيف أنّ العلاقات بين العائلات قريبة جداً في المجتمع التركي. في البداية “لم أكن أفهم ذلك، ولكنّني أحببت الأمر لاحقاً لأنه يبعث على الإحساس بالأمان والطمأنينة”. وتشير إلى أنّ عدم مشاركة جاغلار في شؤون المنزل سبّب لي مشكلة في البداية، “لكنّ الأمر بدا لي لاحقاً، مريحاً. أمضي الوقت مع ابنتي بينما يعمل هو (محام) في الخارج. وهذا أمر ليس موجوداً في أيّ بلد أوروبي”.