التغيير والتبديل
القرارات التي أعلنت الأسبوعين الماضيين بتعديل مواقع بعض شاغلي المناصب الحكومية والحزبية هي الوجه الأول لتغيير أعمق وأشمل في كل الأجهزة الإعلامية الحكومية الرسمية والأجهزة الإعلامية الحزبية، لا من أجل تبديل وجوه بأخرى، إنما سياسات سادت زمناً بسياسات جديدة.. وإذا كان التغيير قد طال منصب وكيل وزارة الإعلام بتعيين السفير “ياسر خضر” وهو من السفراء الذين لهم خبرات في ملف الإعلام لوجوده سنوات في البرلمان وفي أجهزة الدولة الأخرى.. ثم كانت قرارات إعادة تنظيم قناة (الشروق) الحكومية التي ظلت لفترة طويلة ترتدي ثياب الاستقلالية وفشلت في أداء رسالتها رغم الصرف البذخي الذي أغدق عليها بسبب فشل رئيس مجلس إدارتها السابق البروفيسور “جمال الوالي”.. وجاءت التغييرات بتعيين الجنرال “السر أحمد عمر” وهو كفاءة وخبرة طويلة في الإدارة.. وقد شنت عليه بعض الأقلام هجمات عدائية غير مبررة، وقد أثبت العسكريون نجاحهم في القطاع الإعلامي منذ “عمر الحاج موسى” وحتى “التاج حمد” في الإذاعة ود.”محمود جمال” في التلفزيون القومي و”السر أحمد عمر” امتداد لهذه النخبة المتميزة.. وتمضي خطوات التغيير سراعاً للصحف التي أسسها الحزب بماله وليس الأفراد الموظفين في إدارة هذا المال.
والسيد البروفيسور “جمال الوالي” الغاضب على خبر التغيير الذي أوردته (المجهر) (السبت) الماضي قد تمت زحزحته من مؤسسات أخرى لا يملكها.. من بنك الثروة الحيوانية إلى شركة سين للغلال ومروراً بالشروق، لأن عهد الاحتكار قد انصرف.. وسنوات التميز قد انعدمت وبات البقاء في الموقع رهيناً بالعطاء.. وصحف الحكومة التي تصرف عليها من خزائنها تتجمل أمام القراء وتدعي الاستقلالية ولا تنافح عن الدولة ولا الحكومة ولا الحزب، لذلك كانت موجهات القيادة العليا للمرحلة القادمة تغييراً شاملاً للواجهات الإعلامية والصحف التي أسستها الحكومة في السنوات الماضية. وقد اتخذ “ياسر يوسف” أمين الإعلام خطوات شجاعة في هذا الاتجاه باختيار شباب مخلصين لإدارة الإعلام الإلكتروني والجماهيري ويمثل تعيين الشباب في قناة (الشروق) بداية لتغييرات قادمة. وإذا كانت شخصيات كبيرة ولها إسهامات سياسية مثل د.”نافع علي نافع” ومن قبل ذلك “علي عثمان محمد طه” قد ذهبت الآن بعيداً عن الجهاز التنفيذي، فكيف لا يذهب من هم دونهم.. من أمثال “جمال الوالي” الذي فشل في المريخ.. ولم يجد القبول من الجماهير ولاذ بالفريق “عبد الرحيم محمد حسين” لتعيينه رئيساً للجنة التسيير.. قبل أن تجرفه جماهير “آدم سودكال” الذي كان قريباً من رئاسة النادي الأحمر، لو ترك لتيار الانتخابات أن يمضي ورياح الديمقراطية أن تهب على نادي المريخ.. وإذا كان السيد “جمال الوالي” (يضحك) على خبر التغيير القادم فإن غداً لناظره قريب، وقديماً قال الإمام “الشافعي” إذا أقبلت الدنيا على امرئ أعارته محاسن غيره، وإن هي أدبرت عنه سلبت محاسن نفسه.
من يرضى العمل العام ووظيفة الحكومة وتكليف الحزب عليه توطين نفسه على أن (الدائم) هو الله وحده.. والتغيير سنة ماضية إلى يوم القيامة.. كلنا إلى زوال (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).. ولماذا الغضب لمجرد خبر عن تغيير يطال البعض.. أما مسألة (النزع) فلا مكان لمنزوع بغير حق.
أخيراً فإن التغيير في الإذاعة والتلفزيون ومسألة الدعم والفصل هي من القضايا التي ينبغي أن تتضح فيها الرؤيا.. وتتخذ القيادة العليا موقفاً واضحاً، إما دمجاً نهائياً تشبهاً بالتجربة المصرية والتونسية، وإما عودة إلى الإرث القديم.. وقبل ذلك فإن التغيير ينبغي له مراعاة خصائص المرحلة القادمة والتطورات السياسية التي أقبلت عليها الدولة، ومرحلة ما بعد الحوار الوطني ومطلوباتها ولا عزاء للقاعدين عن كل همة!!
المجهر