صنع في السودان.. إهمال المنتجات المحلية والاتجاه للأجنبية .. نأكل مما نزرع
نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع أحد الشعارات التي نادت الحكومة بترسيخها؛ حين تولت الحكم في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وتعززت في أذهان الشعب حتى زمن قريب، وبالفعل بدأ مشروع الصناعة المحلية وأتيحت الفرص للعديد من المصانع السودانية في طرح بضائعها بالأسواق.
لكن هذا الشعار لم يكن كفيلا لتحفيز المواطن على دعم البضاعة المحلية وصمودها طويلا، ما حول السودان إلى دولة مُستهلكة بحسب رصد خبراء الاقتصاد؛ وجعلها تقوم باستيراد بضائعها من عدة دول مثل الصين وماليزيا ومصر، التي تجتهد في دعم الصناعة المحلية لدى المصريين عبر إعلانات حكومية موجهة، برسائل واضحة ومدروسة لتطوير الاقتصاد الوطني.
بدائل جديدة
وعزا الكثير من الخبراء الاقتصاديين سبب تراجع الاقتصاد المحلي إلى الجهل بالثقافة الاستهلاكية السليمة، وهنالك محاولات جادة لإحياء سوق السلع المحلية، عن طريق فعاليات على شاكلة معرض (صُنع في السودان) ومعرض (الوجبات المحلية)، وبالرغم من ذلك تتجه شهية المستهلك السوداني للسلع الأجنبية، في الوقت الذي تتجه فيه مصر إلى دعم منتجاتها المحلية عبر إعلاناتها التلفزيونية.
مصانع تستبدل الديباجة
فاطمة حسين – دلالية – تقوم بشراء الجلبابات النسائية من سوق أمدرمان وتبيعها بمدينة كوستي قالت: في إحدى جولاتي بالسوق قابلت أحد التجار القطاعي، والذي أخبرني أن الجلبابات التي اشتريتها منه في المرة السابقة هي من إنتاج محلي، يقوم فيها بعض أصحاب المشاغل بوضع ديباجات كُتب عليها “صُنع في الصين”، وعندما سألته لماذا تفعلون ذلك أخبرني بأن المواطن السوداني يُفضل المنتجات الأجنيبة، ويثق أكثر في جودة السلع الخارجية، واصلت: بالرغم من إحباطي لفكرة التزوير إلا أنني سعدت بأن هنالك محاولات إنتاج محلي؛ يمكنها أن تغزو السوق العربي أو العالمي إذا توفرت لها الإمكانيات والظروف الملائمة.
جودة المستورد
ظهرت في مطلع التسعينات ظاهرة اغتراب أفواج عديدة من الشباب السوداني للخليج العربي؛ والتي أفرزت سلوكيات دخيلة على العادات الاستهلاكية للمواطن السوداني، فيُرسل المغتربون من مهاجرهم العديد من السلع اليومية كالصابون، المعجون، الحلويات، المعلبات، الملبوسات والكثير من البضائع، ما أكسب المواطن السوداني خبرة في اكتشاف جودة السلع؛ والمقارنة بينها وبين السلعة المحلية بعد انتعاش حركة الاستيراد، بحسب د/ هند يحيى –الباحثة في علم الاجتماع- والتي أضافت قائلة: باتت هذه السلع متوفرة في السوبرماركت أو البقالة، فأصبح الفرد ينتقي من بين الكثير من الأجبان على سبيل المثال نوعا معينا من الجبنة؛ سواء كانت عربية الصُنع أو أجنبية، مع أننا نمتلك ثروة حيوانية كبيرة تخولنا لإنتاج أنواع كثيرة من الجبنة إلى جانب الأنواع التي اعتدنا عليها منذ قديم الأزل.
وترى د/ هند: أن ما يدفع السودانيين على اقتناء السلع الاستهلاكية ذات المنشأ الأجنبي، هو الجودة في المقام الأول والأخير، لكن هنالك أشياء نحن لسنا في حاجة لاستيرادها مثل الخضراوات والفواكه، وبعض المنتجات المحلية المعلبة بشكل جيد كالكراويا، اليانسون، والكركدي المعبأ في أكياس الشاي الصغيرة، وينبغي علينا غرس قيمة دعم المنتج المحلي إذا لم يكن هنالك فرق بينه وبين الأجنبي، وفي رأيي هذه إحدى رسائل الإعلام بكل أنواعه بلفت المواطن العادي للالتفات لأمر المنتج المحلي، وكذلك حث أصحاب المصانع ورؤوس الأموال إلى قراءة السوق ومواكبته.
عقدة الخواجات
وعزا الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل سبب (عقدة الخواجات) أو اللجوء للبضائع الأجنبية إلى عدم الاهتمام بالصناعة المحلية، ويرى أن الحل يكمن في إعادة إنعاش صناعتنا المحلية، إلى جانب نشر ثقافة السلع غير المحفوظة والصديقة للبيئة في شتى المجالات، واتجاه الناس لاستهلاك السلع النظيفة من المواد الحافظة، واستبدال الفول المعلب والطماطم المعلبة بالطازجة على سبيل المثال، وهذا بمثابة قلب لمفاهيم الثقافة الاستهلاكية، ويضيف: والسودان يكاد يكون البلد الوحيد الذي تفوق فيه المياه الغازية العصائر الطبيعية، فإذا توصلنا لحقيقة الاتجاه لصناعة صحية سنتمكن من تصديرها لكل العالم.
الخرطوم – نمارق ضو البيت
صحيفة اليوم التالي