ما بعد “الترابي”
ظن الكثيرون أن حزب المؤتمر الشعبي بعد رحيل زعيمه وملهمه ومفكره الأول الشيخ “حسن الترابي” سيندثر ويتلاشى من الوجود.. وأن بدايات الاندثار والتصدع من لحظة اختيار خليفة “الترابي”.. وبعض الظنون أمانٍ وأشواق.. والشعبي حزب أثبت تماسكه وديمقراطية قياديه ووعي قواعده بمطلوبات مرحلة ما بعد غياب الشيخ والملهم والأستاذ والمعلم الذي كان يعتقد البعض أنه كل الشعبي وما دون ذلك أتباع وحيران.. إلا أن الأيام أثبتت وجود حزب فاعل ومتماسك.. لم يخرج منه عضو مغاضباً منذ رحيل “الترابي” وحتى اليوم.. وتوقفت هجرة بعض قيادات الشعبي للمؤتمر الوطني منذ تقارب الإسلاميين ما بعد خطاب الوثبة.. وجهود المصالحة التي قادها من جهة المؤتمر الوطني الرئيس “عمر البشير”.. ومن جهة الشعبي الشيخ “حسن الترابي”. يمشي القيادات على جمر الخلاف الحارق حفاة الأقدام ويتم تجاوز سنوات الشقاق والدموع والأحزان والحرب الباردة والحرب الساخنة التي سالت فيها حتى الدماء.. والبناء الذي شيده “الترابي” وجد من يرعاه.. ويضيف إليه وتعتبر شخصية الشيخ “إبراهيم السنوسي” بوسطيته وصفاء نواياه.. وغلظته أحياناً هي التي ساهمت بجهد كبير في تماسك الشعبي تنظيمياً وفي ذات الوقت الحفاظ على مكتسبات الحزب وعلاقاته الخارجية.. وتحالفاته الداخلية.. ولم ينزلق الشعبي بعيداً عن منهج الحوار ولم يرتمِ في أحضان المؤتمر الوطني مثل القوى السياسية الأخرى.. حافظ على شعرة “معاوية” مع النظام.. وأبقى على هواتفه مفتوحة مع المعارضة.. وظل في قلب حركة الإسلام العالمية مشاركاً في المنتديات الفكرية والثقافية والاجتماعية.. ولو ذهبت قيادة حزب المؤتمر الشعبي لشخصية غير “إبراهيم السنوسي” لما حافظ الحزب على تماسكه حتى اليوم.. نظراً لأن “السنوسي” هو أقرب قيادات الشعبي للراحل “الترابي” وأكثرها فهماً لمقاصد البرنامج السياسي.. الموسوم بالنظام الخالف.. ومن ثم فإن “السنوسي” الذي كان لسنوات طويلة مسؤولاً عن ملف العسكريين في الحركة الإسلامية وأشرف على اختيار الكثيرين منهم لدخول الكلية الحربية واستقطب بعضهم لصالح الإسلاميين، يجد التقدير والاحترام من الرئيس “عمر البشير” الذي ظل في كل سنوات الخلاف والشقاق يفتح أبواب منزله لـ”السنوسي” حينما كانت القطيعة النفسية تحول دون زيارة الشعبيين للقصر الرئاسي.. وحينما يغيب “السنوسي” طويلاً عن “البشير”.. يفاجأ بزيارة ليلية لمنزله بضاحية الرياض من قبل الرئيس “البشير” والفريق “عبد الرحيم محمد حسين”.. هذه العلاقات رسمت خطوط مستقبل العلاقة بين الوطني والشعبي والتي ينتظر أن تصبح في ما بعد (نوفمبر) القادم شراكة في الحكم بدخول بعض قيادات الشعبي حكومة الوفاق المنتظر تشكيلها.. دون أن يذوب الشعبي في الوطني.. لأن الشعبي غير قابل للذوبان.. كما أن الوطني ليس في حاجة حالياً لإضافات جديدة بقدر حاجته للتماسك والحفاظ على قواعده الحالية وضمان عدم زحزحتها.. وتماسك الوطني رهين فقط بوجود منافسين أقوياء مثل الشعبي وحزب الأمة.. والحركة الشعبية والاتحادي الديمقراطي.. وإذا كان الشعبي قد اجتاز بحنكة فترة ما بعد رحيل “الترابي” فإنه سيواجه بمطبات هوائية قادمة مثل المشاركة في حكومة ما بعد الحوار.. وهل سيخوض الحزب الانتخابات القادمة بمرشح لوحده؟؟ أم يدعم مرشح المؤتمر الوطني خاصة إذا نجح الوطنيون في إقناع “البشير” بدورة رئاسية أخيرة تنتهي في 2025م.
المجهر