تحقيقات وتقارير

الاحتيال عبر الموبايل.. قصة يرويها ضحاياها..!


مدير مباحث أسبق: دخل في السنوات الأخيرة كثير ٌ من الأجانب إلى السودان بينهم وفود أدخلت أساليب الغش والاحتيال.
ضحية أولى : اتصل عليّ وادعى بأنه زميلي، وطلب مني نقوداً عندما كشفت حقيقته شتمني وهددني.
ضحية ثانية: احتال عليّبأنه يتبع لشركة أم تي أن وحصلت على جائزة؛ وأخذ مبلغ قدره 500 جنيه.
لاتتعجب عندما يتصل عليكأحدهم ويدعي بأنه صديقك ويقول لك:هذا رقم شريحتي الثانية، ثم يطلب منك أن ترسل له مبلغاًمن النقود؛لأنه يقع في مشكلة، وهوفي أشدالحاجة إليها،و ترسل له المبلغ،وبعدها تكتشف أنك وقعت في فخ الاحتيال والابتزاز . وقد تكون تلك بداية لتعرض تلفونك لـ”الهكر”.

صار للاحتيال طرقٌعديدةٌمبتكرةٌ وذكيةٌ؛مما جعل الكثير يقع في شباك المحتالين،وأصبح الهاتف أقرب وأسهل وسيلة للاصطياد، ويمكن أن يعرضك للخطر فكانت(م) من إحدى الضحايا التي تعرضت للاحتيال والابتزاز ، عبر تلفونها وهي تروي لنا قصتها الحزينة،وتقول بأنها تعمل بإحدى الوزارات عندما جاء العيد اتصل بها شخص ما، وادعى بأنه زميلها في مكان العمل، وأراد أن يبارك لها العيد من هنا بدأت حكايتها وهي تقول لم أكن أتوقع أن أتعرض لهذه الأهانة؛ فقط لأنني رديت على تلفوني واعتبرته زميلي بحكم حديثه معي كان الرقم غريباًوليس مسجلاًلدي،وقال ليهذه شريحتي الثانية، سودانيبصراحة صدقته لم أكن أتوقع بأنه ليس زميلي؛بعدها رجع لي بمكالمة هاتفية بنفس الرقم، وطلب مني مبلغ 500 جنيه لأنه يعانيمن مشكلة؛ وبحاجة للمال،فاعتذرت منه وقلت له لا أملك هذا المبلغ حالياًووعدته بأن أدبر له حتى ولونصف المبلغ لم يمض على حديثنا هذا أكثر من يومين،رجع لي وسألنى إذا كنت قد دبرت المبلغ؟ فاعتذرت منه للمرة الثانية،عندها طلب مني أن أرسل له رصيداًمستعجلاً لأنه فى مكان مقطوع،وأرسلت له رصيداًبمبلغ 50جنيهاً، ثم اتصل علي للمرة الثالثة وسألنيإذا استطعت إرسال المبلغ واعتذرت أيضاً، بعد أن انقضت الإجازة التقيت بزميليفيالعمل،وقلت له إنني أعتذر لأنني لم استطع تدبير المبلغ حتى ولو جزءاً بسيطاً كما وعدتك،تفاجأتبزميلي يقول لي: لم أطلب منك نقوداً..!!

شرحت له القصة واكتشفت بأنه لايملك شريحة سوداني، وأن ذاك الشخص ليس زميلي الذي اتصل عليّ فقمت بالاتصال على الرقم، ورد نفسالمحتال فسألته من أنت؟ ولماذا ادعيت بأنك زميلي؟ومن أين حصلت على رقم تلفوني؟ هاجمني بكلمات جارحة ومسيئة؛بل أدت به الجرأة وهددني،شعرت بالندم لأنني استقبلت المكالمة؛ كان كلامه مسيئاً وغير محترم،شعرت بالألم لسماعي هذا الحديث القاتل؛ لم يسعني السكوت عندها قمت بالاتصال لشخص أعرفه يعمل بإحدى شركات الاتصال وأخبرته بكل القصة، حتى رجع لي وقال لي اسم الشخص، وأنه يعمل فى توزيع الرصيد؛ بأحد الأسواق استطاع أن يدرج اسمه – عبر الشركة التي لديها الشريحة – مزيف وكل بياناته غير صحيحة، وقال: بهذه الطريقة لانستطيعالوصول إليه، وأن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة؛ خاصة عند البنات، فإذا كان هناك شخص ورقمك مسجل عنده، وتعطل تلفونه وذهب لتصليحه لأقرب محل بهذه الطريقة يسهل الحصول على الرقم؛ وتسجيل أرقام معارفك وأصبحت هذه ظاهرة منتشرة عند المحتالين،وهكذا يستطيع أن يتحدث معك بكل ثقة؛وتكون الضحية سهلة الوقوعفيأخطاء؛ولم تكن (م) وحدها التى تعرضت لجريمة نصب؛ فكان دفع الله من ضحايا احتيال أخرى تعرّض لنهب ماله عن طريق مكالمة تلفون اتصل عليه وأخبره بأنه من شركة (أم تيأن)وأنه فاز بجائزة مالية قدرها خمسة آلاف جنيه،الأمر الذي جعله يكون ضحية سهلة، وهو يقول: اتصل عليّأحدهم، وقال يعمل بشركة(ام تي ان)وأن رقمى حصل على جائزة،وطلب منيأن أرسل مبلغ قدره 700 جنيه؛وبالفعل قمت بتدبير المبلغ حتى وصل لـ”500″جنيه عندها طلب منيإتمام باقي المبلغ،لم أستطع الحصول على الباقي فذهبت إلى صديقي وطلبت منه أن يسلفني 200 جنيه، وأخبرته عن سبب طلبي للنقود فحذرني قائلا: عليكأن تتأكد من الرقم؛ ربما يكون شخصاًمحتالاً،فعلاً رجعت للرقم ووجدته مغلقاً، عندها اتصلت بشركة( أم تي أن)فوراً تأكدت أن الذي اتصل عليّ لم يكن يتبع لشركة (ام تى ان ) والرقم غير مسجل لديهم وتم الاحتيال،وأُخِذت نقودي على عينك ياتاجر ، وبهذه الطريقة لم أستطع إرجاعها.

المحتالون يستفيدون من بعض الصفات التي تتوفر في الضحية.
مدير المباحث الجنائية الأسبق اللواء عابدين الطاهر ؛ يؤكد بأن جريمة الاحتيال من الجرائم التي وضع لها المشرع السوداني وصفاً قانونياً واضحاً وهو السلوك الإجرامي الذي يتسبب في خسارة للغير،أو تحقيق مصلحة للذي يأتي به عن طريق الخداع والغش…تتعدد الأساليب والنتيجة دائماً هي تسبيب الخسارة للشخص الذي يتم خداعه وغشه، ويصيب الفاعل كسباً غير مشروع؛ نتيجة استخدام الغش والخداع …
المحتالون دائماً يستفيدون من بعض الصفات التي تتوافر في الضحية وأهمها تعامل الضحية مع الأسلوب الذي يتبعه المحتال، ونجدهم يستغلون الضعف المتوفر في الضحية وقد يكون ذلك الضعف المقصود عدم الحرص او الجهل أو الطمع الخ ..

وواصل في حديثه: بأن الشواهد المتوفرة في معظم الوقائع التي حدثت نجد أن الضحايا يساهمون بقدر كبير في أن تكتمل الخدعة التي يرسمها المحتال؛ سواء تكون هذه الخدعة أفعالاًأو عن طريق مستندات، كما في قضايا الاحتيال بالمستندات المزورة وهذه تشمل الخداع بتحرير شيكات بدون رصيد أو شيكات مزورة ..
يعتقد كثيرون أن المحتالين يمتازون بذكاء يمكنهم من إكمال عملياتهم الخداعية، وغشهم ولكن ثبت أن معظم المحتالين يستغلون جوانب الضعف المذكورة التي تتوفر في الضحايا ليس إلا وبقليل من التروي والحرص سينكشف أمرهم؛ بل كثير من الضحايا؛ خاصة في عمليات الاحتيال المرتبطة بالدجل والشعوذة يخجلون من أنفسهم. ويندمون بعد أن يكتشفوا الخدعة التي مررها عليهم أولئك المحتالون.

تتنوع الأساليب والهدف واحد
ويشير اللواء عابدين إلى أن الهدف الرئيسي الذي يبحث عنه المحتالون هو الحصول على المنفعة المالية من الضحية، ولذلك يرتبط انتشار وازدياد جرائم الاحتيال مع الظروف الاقتصادية والحوجة للمال. فكلما ضاقت الحالة الاقتصادية ازدادت جرائم الاحتيال وتنوعت أساليب المحتالين بإيجاد أساليب جديدة لضمان تحقيق المطلوب ..

أيضاً نجد أن تلك الأساليب تتطور مع التطور التقني وخير مثال لذلك أن هنالك جرائم احتيال؛ يستخدم المحتالون فيها اختراق الشبكات الإلكترونية وهذا النوع من المحتالين نجدهم على دراية باستخدام تلك التقنية، ويختلفون في أسلوبهم من الأسلوب التقليدي الذي اعتاد عليه أقرانهم الذين يجهلون مطلوبات هذا المجال بالإضافة أيضاًإلى استخدام ماكينات التصوير والحواسيب في إعداد المستندات المزورة؛ بمستوىأكثر جودة، وقد كان المحتالون في السابق ؛قبل ظهور هذه الأجهزة؛ يستخدمون مهارتهم في التقليد والتزوير باليد؛ كما هو الحال في تزوير التوقيعات ..
ومضى ليقول:إن الشرطة تبذل مجهودات كبيرة في الإيقاع بأولئك المحتالين وتقوم بتسجيلهم والاحتفاظ ببياناتهم بطريقة موروثة عبر مكاتب السجلات وأقسام منع الجريمة، بالإضافة لتقديم الإفادات التي تثبت اعتيادهم للمحاكم؛ لتشديد العقوبة عليهم في حالة تكرار أفعالهم وهذا ما يعرف بـ(صحيفة السوابق) وقد فصل القانون ذلك بتشديد العقوبة على من يرتكب جريمة الاحتيال للمرة الثانية فالمعتاد عقوبته أشد من المبتدئ؛ ولذلك نجد أن سجلات الشرطة هامة للغاية في هذا الاتجاه.

ويؤكد أن مكافحة جرائم الاحتيال تتطلب التعاون التام بين مختلف الأجهزة خاصة الإعلام؛ حيث لابد من توضيح تلك الأساليب التي تتبع لعدم استخدامها مرة أخرى، ومثال لذلك الاحتيال بواسطة طلاء أوراق تشابه عملة الدولار ووضعها في صندوق والادعاء بأنها حقيقية، وأن صاحبها المحتال قد احتفظ بها في دولة معينة بعد الحرب، الآن نشبت هناك وهي مطلية بمادة معينة يتطلب إرجاعها لحالتها الأولى الحصول على محلول لا يوجد إلا في سفارة دولة معينة والكمية الموجودة معه الآن لا تكفي لغسل كل الأوراق التي هي ملايين الدولارات ويقوم لإيهام الضحية بغسل ورقتين او ثلاث من محتويات هذا الصندوق، وهي في الأصل حقيقية، وهو يعلم أن الضحية سيأخذها لفحصها ويتأكد بأنها صحيحة وبذلك يقتنع بأن كل الأوراق المتبقية هي دولارات تحتاج لتلك المادة؛والتي تكلف مبالغ ضخمة وتنطلي الحيلة علي الضحية بدافع الطمع ويقوم بدفع المال للمحتال وبعدها يختفي من الأعين مكتفياً بذلك المبلغ الكبير، ويظل الضحية منتظراً عودته؛ وهو محتفظ بذلك الصندوق،دون جدوى ثم أخيراً يكتشف الخدعة .. هذه المسألة ظلت تتكرر سنين عدداً فَلَو تم تنوير الناس عبر وسائل الإعلام لما تكررت بتلك الصورة غير المتوقعة ..

لابد من الإسراع بمحاكمة المحتالين
ويواصل عابدين مسترسلاً في حديثه:أيضاً لا بد من الإسراع في محاكمة المحتالين الذين يتم القبض عليهم، وتثبت التهم في مواجهتهم لأن توقيع العقوبات هو من أساليب منع وقوع تلك الجرائم وتكرارها، والأهم وعي المواطن نفسه وارتفاع حسه الأمني؛ بمزيد من الحرص والدقة في التعامل المالي وعدم الطمع والجري وراء الكسب السريع…وهذه هي المسائل التي يستغلها المحتالون لإكمال خداعهم وغشهم لضحاياهم …
في السنوات الأخيرة نجد أن كثير اً من الأجانب قد دخلوا إلى السودان؛ وبينهم من وفدت معهم أساليب جديدة في الغش والاحتيال تتطلب مجهودات أكبر من الجهات المنوط بها المتابعة والرصد، فأساليب الاحتيال تتجدد دائماً ولكنها تصطدم بالوعي والحرص المطلوب حتى لا تتحقق أهداف الذين يهدفون للكسب عن طريق الغش والخداع والطرق الملتوية.

تحقيق : حفيظة جمعة
صحيفة التيار