جمال علي حسن

الخيار الروسي.. إذا جمعتنا يا جرير المجامع


أول ما فكر فيه أردوغان بعد مؤامرة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها بتدبير أمريكي هو تنشيط علاقته مع روسيا بكل ما في ذلك التوجه من كلفة كان مستعداً لتحملها ولو تكيتيكاً في ذلك الظرف.. وبالمقابل تجاوز بوتن ما تبقى من غضب وعدم ثقة كان يحتفظ بها تجاه تركيا منذ حادثة المقاتلة الحربية الروسية التي أسقطتها تركيا بعد انتهاكها لمجالها الجوي بالقرب من الحدود مع سوريا العام الماضي، وتجاوب بشكل فوري مع ضيفه وحليفه أردوغان الذي أدرك جيداً أنه وفي ظل استهدافه من قبل أمريكا لا خيار أمامه سوى الإمبراطور الروسي الجديد فلاديمير بوتين، وبوتن يرحب ويقدم مطلوباته التي يسددها أردوغان بتصريحات وخطوات أثارت ربما تساؤلات في أذهان بعض الدول العربية على الرغم من أن هناك مستوى من التحالفات لا يشترط إقرار الحليف بكل ما يرتكب حليفه من أخطاء .
وهذا هو منطق الكثير من الدول العربية المستهدفة من إيران منطقها في بناء علاقات قوية مع روسيا الحليفة لإيران.. لأن روسيا قوة، وصراعات القوى الكبرى في المنطقة لا تحتمل الحياد فمن ليس معك هو بالتأكيد ضدك .
كل الدول الحية في هذا الزمان الأمريكي تقدم مصالحها على عواطفها في بناء علاقاتها الإستراتيجية.. إذ لا مكان للمواقف القطعية والنهائية يمكن أن تتخذها دولة ناجحة وتكون تلك المواقف تتصادم مع المصالح الاستراتيجية لهذه الدولة ..
هذا عالم مصالح.. عالم قيم عملية وحسابات واضحة (واحد زايد واحد يساوي اثنين) .. وطالما أن هاتف أمريكا لا يزال يضع رقم السودان في قائمة (البلوكد) – المكالمات المحظورة أو المزعجة – التي لا يتوفر لها الإتصال بفعالية معها فإن خيار تعزيز العلاقات السودانية مع روسيا القوى العظمى والقطب الأقرب وصاحب الرصيد الجيد من المواقف الإيجابية تجاه السودان، هذا الخيار لا يقبل التأخير ولا التلكؤ أو الاستماع إلى من يستحضرون أمامك خطايا روسيا في سوريا ودعمها لنظام الأسد.. هذا الموقف الروسي الذي نستاء من نتائجه البشعة التي تنقلها الصور والمقاطع من حلب وغيرها لضحايا القصف الجوي.. ويتحفظ عليه أيضاً أردوغان وتتحفظ عليه دول الخليج وتستنكره بشدة لكن برغم ذلك فإن كل هذه الأطراف لم تقطع علاقاتها مع روسيا بسبب دعم روسيا للأسد أو تحالفها مع الخصم الطائفي التوسعي اللئيم إيران، لأن لعبة السياسة تقتضي أسلوبا آخر لتحييد وكسب هذا المساند الخارجي وملء المساحات الممكنة في العلاقات معه وخاصة لو كان الحديث عن روسيا لأنها في التقييم الموضوعي لموقفها دولة وفية لحلفائها الاستراتيجيين والدليل على ذلك مساندتها الكاملة لنظام الأسد وهي الحليف التاريخي القديم لهذا النظام منذ عهد والد المجرم بشار الرئيس السابق حافظ الأسد .
دولة لها وفاء كبير لحلفائها طالما كانت المصالح بينها وبين الحليف قائمة وذلك على عكس طبيعة أمريكا التي تخطط بخبث لابتلاع حلفائها وضربهم من الخلف لأن مشروعها هو مشروع سيطرة كاملة على الحليف وعلى ثرواته .
نعتقد أن تنشيط وتعزيز العلاقات السودانية الروسية على جميع المستويات يشكل عنصر تأمين سياسي واستراتيجي ومخرج تنفيس اقتصادي واستثماري واحتفاظ بالمساند الدولي.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

اليوم التالي