الحوار بين “نعم” المشاركين وتلك الـ”لا” الناسفة
هناك سؤال مفتاحي للحديث أو التعليق على مؤتمر الحوار الوطني والسؤال هو: هل من الممكن أن ينتج هذا الحوار الذي جرى بتركيبته الحالية حلولاً شاملة لقضايا السودان وأزماته المختلفة؟.. ستتباين الإجابات بالتأكيد طالما أن هناك أطرافا سياسية وحملة سلاح إما أنهم لم يحضروا من الأساس أو حضروا وغادروا بعد بدء الحوار.. ومعظم هؤلاء قد لا تسمع منهم غير الإجابة بلا.. لا النافية والقاطعة في حكمها بعدم قدرة هذا الحوار على إحداث أي تغيير في واقع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أو إنجاز الحل لقضايا البلاد وأزماتها المختلفة .
لكن بالمقابل هناك من يعتبر أن الإجابة هي (نعم). وأن الحوار الوطني وإن غابت عنه بعض الأطراف الرئيسة في الأزمة السياسية والأمنية في البلاد لكنه رسم مساراً وطريقاً واضحاً وبصورة علمية لمعالجة قضايا السودان ولا ينقصه سوى حضور وتوقيع الممانعين على وثيقته النهائية .
ولكي نكون أكثر موضوعية فإن علينا أن نقف بين تلك الـ(لا) النافية والناهية عن أي حوار مع هذا النظام حسب لغة التيار الكاره لاسم الإنقاذ ولكل ما يصدر عنها وهو تيار حرب لا يمتلك أي استعداد للتفاهم والتنازل لأجل الحوار .
نقف بين تلك (اللا) المتطرفة في معارضتها للحكومة، وبين (نعم) في مستواها الحالم جداً، والذي ينظر للحوار الوطني ولوثيقته نظرة متطرفة في تقييمها وتوصيفها كوثيقة لا تقبل التطوير والتعديل.
المسافة بين (لا ونعم) هي التي يوجد بها مقام وثيقة الحوار الوطني التي اكتملت وتم التوقيع عليها واحتفلت الخرطوم أمس بإنجازها وإنجاز هذا الحوار في احتفالية زخمة وضخمة حضرها رؤساء دول صديقة وممثل الرئيس الروسي وغيرهم .
إن لم يقبل الممانعون بـ(نعم الحوار) الداخلي فعليهم على الأقل أن لا يظلموا جهد القوى والأطراف التي شاركت في منتوجه ومخرجاته الوطنية التي إن لم تحقق كل مطالب الممانعين فهي على الأقل قطعت شوطاً كبيراً في مناقشة ومعالجة معظم القضايا التي يختلفون عليها مع الحكومة.
حوار أنتج نقاشاً غير مسبوق حول قضايا ربما لم تجد من قبل الفرصة لمناقشتها بهذه الدرجة من العلمية وبمشاركة خبراء وطنيين وشخصيات قومية ومختصين في التاريخ والهوية وقضايا المجتمع السوداني.. حوار أنتج وثيقة تقر بالفصل بين السلطات، وبناء استراتيجية قومية ملزمة للدولة، وبالإصلاح الشامل لأجهزة الدولة وسيادة حكم القانون، وتطوير الموارد البشرية، والإقرار بالتنوع والاعتراف بالتعدد الاجتماعي والثقافي، ونبذ العنف وترسيخ السلام والتعايش السلمى بين أبناء السودان.. ليس من المنطق ولا العدل ولا الوطنية ولا العقل حتى منحه درجة الصفر المتطرف تلك .
فبعيداً عن القضايا السياسية المباشرة هناك قضايا كثيرة تمت مناقشتها بالتفصيل غير المسبوق، بعضها لا تمتلك الكثير من القوى والأطراف المعارضة حتى مجرد التصورات العلمية والرؤى المحددة حولها.. بل بعض تلك القضايا يكاد يكون غائباً تماماً عن برامج الكثير من الأطراف التي تنادي بإصلاح الدولة السودانية وتقديم معالجات علمية لقضايا الاقتصاد والسياسة والحكم والتعدد الثقافي ..
من الذي كان سيقوم بإعداد هذه التصورات في أي حوار يتم في السودان بحضور جميع الممانعين الآن..؟ أليسوا هم هؤلاء المختصون والخبراء السودانيون أنفسهم والذين لا ينتمي الكثير منهم للحزب الحاكم أو لأي حزب سياسي..؟
نعم قد يكون موقف الامتناع والمقاطعة قد حرم اللجان المتخصصة من مشاركة بعض الخبراء الآخرين في عملية النقاش والتفاكر وتقديم الرؤى الإضافية.. لكن ليس من العدل أن يكون ذلك سبباً في نسف كل هذا الجهد الذي تم لمجرد عدم مشاركتهم .
نحن نصر على أن موقع الحوار الوطني الذي تم إنجازه، يجب أن يكون موقعه بالنسبة لأكثر الممانعين تطرفاً في مسافة أقرب بكثير إلى (نعم) الموضوعية أو النسبية من تلك الـ(لا) الناسفة.. لو لم يكن من الممكن التصالح مع (نعم) التي تتمسك بها الحكومة الآن .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالي