نحن في السودان ..!
“الرجال والشعوب يتصرفون بحكمة بعد أن يستنفذوا جميع الخيارات الأخرى” ..
(1)
في بلادنا مثقفون كُثُر يواجهون هزائم نكراءأمام سطوة العرف في شئون وشجون الزواج،فيتخلون عن أفكارهم الإصلاحية، ورؤاهم العادلة للذات الإنسانية على إطلاقها، ثم يمشون طائعين مختارين إلى جذر الجد وأصل “الحبوبة” إذا لزم الأمر! .. مع أن الثقافة في معناها هي حزمة من العقائد والمعارف والفنون والأخلاق والقوانين والعادات، والريادة في مبناها هي التشريع للآخرين من خلال الشجاعة في تبني المواقف والخيارات .. لكن المثقف يعتنق ويَشرَح، بينما الرائد يفعل ويُشرِّع! .. فما أقل الرواد وما أكثر المثقفين .. لذلك يبقى باب النسب والمصاهرة في السودانالمدخل الوجودي الوحيد الذي يعبر من خلاله المثقف عارياً عن فكره، متجرداً عن فكره وثقافته.. وهذا هو – بكل أسف -جوهر الفرق بين الثقافة والريادة ..!
(2)
هنالك الكثير من أبناء جيلنا دفعوا ثمن فشل آبائهم في الالتحاق بكليات الطب أو الهندسة فألزموهم بتحقيق أحلامهم الخاصة بلا مراعاة موضوعية لإمكاناتهم العقلية وميولهم الأكاديمية .. فشقى الواحد منهم بدراسة لا يجد فيها ذاته ثم يشقى بانضمامه إلى صفوف العاطلين! .. وهنا ينبثق سؤال بسيط : ما الذي يدعو ذلك الكم الهائل من الشباب إلى الاستماتة في الحصول على شهادة (بكالوريوس) تؤهلهم للوقوف طويلاً في صفوف العاطلين؟! ..لماذا لا تتبنى الدولة برامجاً تشجعهم على الاكتفاء بشهادات (دبلوم) جيدة في تخصصات مهنية ذات وظائف مستقبلية مواكبة، تضمن هي استمرار احتياجها لها في مسيرتها التنموية العشرينية القادمة على الأقل؟! .. مؤكد أنها ستوفر بذلك وظائف لمئات العاطلين، وتوفرعلى نفسها وعلينا سنوات كثيرة من الوقوف في (صفوف) البناء والتنمية ..!
(3)
الذين يتساءلون عن السر في تفضيل بعض المستثمرين وأصحاب المشاريعالكبرى للعمالة الوافدة على العمالة المحلية في بلادنا ـ رغم ارتفاع التكلفة والتبعات الإدارية المربكة لاستقدامهم ـ ينسون أن «ود البلد»- الذي يتحول إلى غريب، أديب، منتج، مجتهد،حين أقامته في بلاد الناس -كثيراً ما يستمرئ الخلط بين الرسمي والشعبي، والعام والخاص، عندما يتعلق الأمر بإنجاز عملعلى أرضه وبين أهله وذويه! ..لهذا السبب يلجأ الكثير من أصحاب العمل إلى خيار العمالة الوافدة، الملتزمة بشروط المهنية، توفيراً لكثير من الوقت والجهد المهدر في مجابهة عشوائية العمالة المحلية، التي تعوِّل في تقاعسها على اعتبارات الجيرة .. والقرابة والعشم .. وهلم جرا ..!
(4)
الشعوبالعربية والإفريقية – كما تعلم -ترضعالخوفمن السلطة معحليبالأمهات،لذلكيشبأبناءأسرهاالحاكمة– ملكية كانت أم جمهورية – عنالطوق،وهميخاطبون الكون بصيغ آمرةواجبةالنفاذ،وإلا! .. في مجتمعنا المحلي تفاقمت ظاهرة أبناء المسئولين الذين كادوا يشبهون أحفاد ملوك النفط لفرط دلالهم على الشعب، وبفضل تعاقب آبائهم على ذات الكراسي نشأ معظمهم منذ الصغرعلى مبدأ التمييز المفروغ من وجوبه .. من الروضة .. إلى المدرسة .. إلى الجامعة .. إلى سوق العمل .. فعاث بعضهم في الأرض فساداً! .. تُرى كيف يفكر دعاة الإصلاح في هذا البلد؟! .. مع الأخذ في الاعتبار أن العدالة الاجتماعيةليستصكوك براءة أو عقود احتكار .. ولا هي – أيضاً – سندات ملكية تباع في سوق الأوراق المالية .. أليس كذلك ..؟!
اخر لحظة