وشهد شاهد من أهلها
الحق أقول بدون أدنى مجاملة أو (كسير تلج لا أجيد التعامل به) إن الحشد الجماهيري الذي التأم قبل يومين في الساحة الخضراء ابتهاجاً وتفاؤلاً بغدٍ مشرق يؤمل أن يتنزل خيراً عميماً على السودان من تلقاء مخرجات الحوار الوطني كان كبيراً بل ومليونياً.
أقول هذا لأؤكد على أن الشعب السوداني الصابر لم يفقد الأمل في الإصلاح ولم يقنط من رحمة الله ويستجِبْ لمن يتوقون إلى التغيير الفوري بأي ثمن حتى ولو كان البديل هو الشيطان الرجيم.
لسنا راضين عن واقعنا البائس من أزمة اقتصادية طاحنة ضربت قطاعات عريضة من هذا الشعب وتردٍّ مريع في الخدمات وتناقص في الموارد والثمرات ومن حروب متطاولة أنهكت البلاد والعباد وأهلكت الحرث والنسل، ولكننا نفتأ نذكِّر بما نراه في محيطنا الإقليمي من حروب أهلية قتلت ودمرت وشردت الملايين من شعوب سوريا والعراق والصومال ودولة جنوب السودان وغيرها، ولا أتردد البتة في تحميل القيادات السياسية التي تسببت في انهيار تلك الدول المضطربة والملتهبة ووالله إنه لمن المحزن بحق أن نشاهد بعض حرائر تلك الدول يتسوَّلْنَ في شوارع الخرطوم بعد أن كُنَّ معززات مكرمات في بلادهن التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم فأذاقها الله لباس الجوع والخوف جراء غفلة ونزق قياداتها السياسية المنكفئة على ذواتها الأمارة بالسوء والتي تعيش في بحبوحة العيش الرغيد في الفنادق الكبرى والعواصم المترفة بينما شعبها المكتوي بنيران الحرب والتشرد بين ميِّت ومشرِّد هائم على وجهه في بلاد الدنيا المصعِّرة له خدها الرافضة استقباله في بلادها المتعجرفة.
هذا ما نخشاه على دولتنا الهشة وعلى شعبنا الكريم.. أن يُذل وأن يهان وأن يشرد في أرجاء الدنيا، فوالله إن عوامل الفرقة والتشتت والتمزق والاحتراب في السودان بنسيجه غير المتماسك ولحمته المسكونة بحروب (داحس والغبراء) المشتعلة بين قبائله ومكوناته العرقية وحركاته المسلحة تدعونا إلى الحذر من التسبب في زلقه في أتون حرب مدمرة لا تُبقي ولا تذر وأقولها اتعاظاً بما حدث ويحدث في محيطنا الإقليمي إن مسعري الحروب من القيادات السياسية يتحملون المسؤولية أمام الله وأمام التاريخ أكثر مما يتحمله رعاياهم من المقاتلين البسطاء.
كثيراً ما سألت بعض قيادات الحركات المسلحة في دارفور ممن يشاركوننا بعض قروبات الواتساب عما جنوه من حرب امتدت في طورها الجديد خلال الـ (13) عاماً الماضية منذ عام 2003 وهل من مقارنة بين الخسائر التي تكبدتها دارفور بل والسودان، في الأرواح والبنيات الأساسية والتخلف الاقتصادي والاضطراب السياسي والأمني وبين الأرباح التي حصدوها جراء إشعال الحرب المتطاولة والإصرار على تسعير لهيبها المضطرم؟!
أود أن أعرض عليكم، قرائي الكرام، شهادة شاهد من أهلها، هو الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ، الذي ينطوي على عداء للحكومة لم أرَ ما يماثله إلا في ياسر عرمان الذي لم يتوقف عن شن الحرب على وطنه وشعبه وعن إراقة الدماء والقتل والتدمير والتخريب منذ أكثر من (30) عاماً حين التحق بعدونا اللدود الهالك قرنق ليقتل ليؤذي وطنه وشعبه.. إبراهيم كتب في أحد قروبات الواتساب معلقاً على مخرجات الحوار ما يلي:-
(أصدقك القول يا الجزولي أنني أرى أن هذه المخرجات التي صدرت عن الحوار هي غاية ما تتطلع إليه القوى الحريصة على مستقبل السودان الناشدة للحرية والديمقراطية والسلام).
والله إنها لشهادة يفخر بها من عكفوا الشهور والأيام والليالي الطوال لإنجاز هذه المخرجات، جاءت من رجل يحمل من العداء للحكومة ما لا تكفي حروف العربية لسبر أغواره والإحاطة بفضاءاته الممتدة عبر الزمان والمكان.
على أن الرجل استدرك على تلك الشهادة المدوية بالتشكيك في صدق القائمين على الأمر وفي مدى الإلتزام وتوافر الإرادة السياسية لوضعها موضع التنفيذ، حاكياً عن نصوص دستورية سارية لا يتم الإلتزام بها حالياً.
ربما يشارك الرجل بعض حلفائه المعارضين ممن يشككون في توافر الإرادة على الفعل ولكن ماذا يضير هؤلاء جميعاً لو دخلوا في آليات إنفاذ تلك المخرجات وقد شهدوا بأنها عين ما يطلبون؟!
والله إن أكثر ما يقدح في نوايا بعضهم ممارساتهم السابقة التي رفضوا فيها مخرجات الديمقراطية حين رفضت الحركة الشعبية التنازل عن رئاسة الجبهة الثورية لحركات دارفور – فكيف برئاسة الجمهورية يا ترى؟! – وعندما تكأكأت المعارضة اليسارية والليبرالية والمسلحة خلف انقلاب السيسي في مصر في تناسٍ لقيمة خلقية ترفض ازدواجية المعايير ففاقد الشيء لا يُعطيه فمن لا يزال يتغنى بطغيان البعث في العراق وسوريا لا يحق له إلقاء المحاضرات علينا عن الديمقراطية والحريات فهلا ثاب هؤلاء إلى رشدهم وانحازوا إلى الحوار حتى نتحرك جميعاً إلى نقل بلادنا إلى بر الأمان؟!.
الانتباهة