يوسف عبد المنان

استقالة “غندور”


إن صحت الأنباء التي نشرت أمس عن إسناد الرئيس “عمر البشير” لمساعده د.”عوض أحمد الجاز” ملفات جديدة في الشأن الخارجي تضاف إلى مهامه الحالية كمساعد للرئيس لشؤون الصين، فإن وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور” يصبح وزيراً منتقص المهام والصلاحيات.. و(أكرم) لأستاذ طب الأسنان مخاطبة مدير جامعة الخرطوم بإعادة كرسيه في كلية طب الأسنان.. والاستغناء من رهق (المجابدة) الذي لم يورث الرجل غير الغياب الطويل عن وطنه.. وطبقاً لما نشرته صحيفة آخر لحظة فإن الرئيس “البشير” قد وسع من مهام وصلاحيات مساعده د.”عوض الجاز” بإضافة ملفات العلاقة مع الهند وروسيا.. بل تنبأت الصحيفة بأن ملفاً آخر سيتم وضعه تحت تصرف مساعد الرئيس.. ألا وهو ملف العلاقة مع البرازيل، فماذا تبقى لوزير الخارجية من ملفات؟؟.. إذا كانت خصوصية العلاقة مع بلدان الخليج وطبيعة تعقيدات ما شاب علاقة السودان بتلك البلدان قد تطلبت التعامل معها من خلال الرئيس مباشرة الذي يتولى بنفسه مع ملك السعودية والكويت والإمارات وقطر التنسيق في قضايا حساسة جداً كالحرب في اليمن ومجابهة المد الشيعي، قد اقتضت تلك الظروف الموضوعية أن يتولى مدير مكتب الرئيس الفريق “طه عثمان الحسين” التنسيق بين الرئيس والملوك وبسبب العلاقات المتميزة للفريق “طه” بالبلدان الخليجية والقبول الذي يحظى به هناك والتقدير الذي يجده من العرب.. قد جعلت الملف الخليجي تحت إشراف الرئيس ومتابعته.. وإذا كانت العلاقة المتميزة لدكتور “عوض الجاز” مع دولة الصين وحجم الاستثمارات الصينية وكثرة الاتفاقيات (المعلقة) قد فرضت على القيادة السياسية اختيار د.”عوض الجاز” لهذا الملف إضافة للإشادة السياسية المهمة التي بعث بها الرئيس بإعادة د.”عوض الجاز” للحياة مرة أخرى تعني الحياة السياسية والتنفيذية بعد أن (عده) البعض من الأموات.. فإن توسعت مهام مساعد الرئيس بإضافة ملفات أخرى إليه يعني الانتقاص العلني من دور وزارة الخارجية والتقليل من شأنها، وقد أصبح وزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور” منتقص السلطات والصلاحيات وهذا لا يليق برجل في قامته عرف بالاستقامة والنزاهة والرؤية العميقة لمآلات المستقبل.. والذي ينظر إلى العلاقة مع بلدان مثل تشاد وليبيا وجنوب السودان ويوغندا فإن الاعتبارات الأمنية تعلو على ما عداها من انشغالات وبسبب الأزمات في تلك البلدان فإن وزير الدفاع ومدير جهاز الأمن ووزير الداخلية الأكثر انشغالاً بشؤون وملفات تلك البلدان ليتبقى فقط للبروفيسور “غندور” مخاطبة المنظمات الإقليمية والدولية والمسؤولية عن علاقات مع دول هامشية في الإقليم، والحوار المتعثر مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحتى ملف حقوق الإنسان هو ملف تتقاذفه الأيادي ما بين وزارة العدل والخارجية.
إذا كانت الدولة قد طرحت من قبل مسألة الإصلاح فإن أولى علامات الإصلاح التعافي من آثار الاستثناءات وسطوة البعض على صلاحيات غيرهم، فإذا كانت المالية في عهد “بدر الدين محمود” وبدعم مباشر من الرئيس قد استطاعت السيطرة على المال العام وإعادة الوزارة لنفسها مهمة الولاية على المال العام، فإن واحدة من القضايا المهمة إعادة ولاية الخارجية على الشأن الخارجي (كـاختصاص) بالدستور والقانون، إذا كان الوزير غير مناسب أو غير قادر على أداء بعض المهام، فليذهب الوزير لسبيله وتبقى اختصاصات وولاية الخارجية على الشأن الخارجي، والبروفيسور “غندور” بما عرف عنه من زهد يمكنه تقديم استقالته اليوم قبل الغد، وذلك أكرم إليه من (تشليع) الخارجية من خلال سياسة تقسيم مهامها بين المساعدين والمبعوثين.

المجهر