تحرير القمح والدقيق الشركات تستثمر في قرارات الحكومة
تباينت مواقف وآراء المختصين والمراقبين تجاه سياسة وزارة المالية الخاصة برفع الدعم عن القمح والدقيق في موازنة العام المقبل, ونفى بعضهم وجود دعم أصلاً من قبل المالية، فيما يرى آخرون أن وضعية الاقتصاد الحالية غير مؤهلة لرفع الدعم عن السلع.
وتوقع اقتصاديون أن ترتفع معدلات التضخم بمعدلات كبيرة خلال الفترة المقبلة معتبرين أن رفع الدعم يعني زيادة الضرائب بصورة أخرى ترفع من خلالها الأسعار إلى أرقام خرافية يصعب السيطرة عليها.
وكشف وزير المالية بدر الدين محمود عن تحرير مواصفات وسعر الخبز وفتح باب استيراد القمح والدقيق الحر دون الالتزام بمواصفات محددة قائلاً إن الوزارة ستعمل على ضبط الأسواق وإيقاف “جيوش السماسرة ” في توزيع السلع بوضع آليات قانونية وإدارية لتنظيم الأسواق بالتنسيق مع وزارة التجارة.
وتأتي ترتيبات المالية ضمن موازنة العام المقبل وفقاً للوزير بدر الدين محمود. ويرى خبرءا أنه ومنذ تعديل سعر دولار استيراد القمح والدقيق بنهاية العام المنصرم من 2.9 جنيه مقابل الدوﻻر إلى 4 جنيهات ثم إلى 6 جنيهات أصبح ﻻ وجود للدعم في القمح والدقيق. وبالتالي يصبح حديث الوزير بوجود دعم غير صحيح.
ويؤكد البروفسور عصام عبد الوهاب بوب لـ”الصيحة” عدم وجود دعم لهذه السلع منذ تعديل سعر الاستيراد وأن الخطوة إنما زيادة جديدة في الضرائب تزيد معدلات التضخم ومعاناة المستهلك وأن المسألة تؤدي إلى مزيد من التشوهات الاقتصادية. أما البرلماني والخبير الاقتصادي دكتور بابكر محمد توم، فيري في تصريح صحفي أن رفع الدعم يأتي في إطار البرنامج الإصلاحي بشرط توسيع قاعدة الإنتاج وتحسين القدرة على توفير السلع الرئيسية من القمح والوصول لمرحلة توطين القمح، إلا أنه يرى أن إمكانية رفع الدعم بيد نواب البرلمان وليس بيد الوزير.
أما الدكتور محمد الناير الأستاذ المشارك بجامعة المغتربين فيرى في حديثه لـ”الصيحة” أن الاقتصاد غير مستقر وليس مستعدًا لرفع الدعم. ويقول: لا يمكن أن تحمل الحكومة فشلها للمواطن، فالسياسات النقدية “فشلت” ويجب على القائمين تحمل مسؤولياتهم وألا يتم ربط رفع الدعم بزيادة الأجور لأن حوالي 90% من السودانيين في قطاع غير رسمي. ويؤكد أن سياسة السوق الحر لا تتوافق مع الاقتصاد السوداني الذي يتبنى النهج الإسلامي حيث لا توجد حرية مطلقة بل مقيدة تمنع الغش والتدليس.
ويرى الأمين العام لاتحاد المخابز بدر الدين الجلال في تصريحات صحفية أن سياسة تحرير سلعة الدقيق والخبز تؤدي إلى زيادات في أسعار السلعة، في ظل الظروف والمنافسة الاقتصادية. ويقول أحد أصحاب المخابز في الخرطوم إن التحرير يؤدي إلى سيطرة أصحاب الشركات على السوق بحجج واهية، ونحن نفضل الوضع القديم بفرض الدولة وتحكمها على أسعار القمح والدقيق، بدلاً من تركها للشركات، وتوقع زيادة سعر الدقيق في الفترة المقبلة بجانب نقص في حجم الرغيفة ربما يصل سعر الواحدة مبلغ 1 جنيه. وضربت التخوفات العديد من المواطنين القائلين بحدوث فوضى في الأسعار من قبل الشركات يتضرر منها المواطن في المقام الأول إضافة إلى ارتفاع تكاليف تشغيل العمالة في المخابز.
ويبلغ سعر جوال الدقيق حالياً من الشركة 160 جنيهاً و158 بالسعر الرسمي، أما غير الرسمي فيتراوح سعره بين 210 إلى 240 جنيهاً. وكانت وزارة المالية قد أعلنت في العام 2015م عن إلغاء امتياز تفضيلي كانت تمنحه لثلاث شركات رئيسية “سيقا, سين, ويتا” لاستيراد سلعتي القمح والدقيق. إلا أن إلغاء الامتياز والتعامل مع الشركات عبر العطاءات عرفه البعض بفك احتكار استيراد القمح والدقيق مع أن التسمية وضعت علامات استفهام، وما إذا كان يعني رفع الدعم عن القمح ودقيقه.
إلا أن مواطنين توقعوا في ظل انعدام الرقابة من الدولة ارتفاع الأسعار، واصفين اتجاه الدولة لتحرير القمح والدقيق بالخطير على المدى القريب والبعيد بزيادة الأسعار التي تكون بصورة مستمرة من قبل الشركات.
ويرى الناير أن الشركات في السودان دائماً ما تستثمر في قرارات الدولة بمضاعفة الأثر بصورة كبيرة في ظل غياب الرقابة والفجوة الكبيرة في الميزان التجاري وتراجع قيمة الجنيه.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي أحمد مالك أن الدقيق والخبز سلع استراتيجية فكثير من الدول تدعمها لأنها تمثل قوت المواطنين وتدخل في العديد من الصناعات الغذائية وارتفاع الأسعار يؤدي إلى ارتفاع التضخم ويؤثر سلباً على الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
إلا أن وزير المالية برر الأمر بارتفاع حجم الاستهلاك مردداً أن الشعب السوداني يستهلك أكثر مما ينتج ويستورد أكثر مما يصدر.
ويبدو أن الوزير تجاهل ما حدث في ديسمبر من العام 2013 من مظاهرات رافضة لمطالب وزير المالية السابق علي محمود والتي راحت ضحيتها أرواح، لكنه دفع بوصفة ومعالجة جديدة تتمثل في تحويل الدعم للشرائح الضعيفة وزيادة الرواتب. ودفعت تلك الخطوة التي اتخذها محمود نواب البرلمان إلى تحذير الحكومة من رفع الدعم وحملوا الحكومة ووزراء القطاع الاقتصادي مسؤولية التدهور ودفعوا بالمقابل بوصفتهم للعلاج المتمثلة في تخفيض الصرف الإداري وإلغاء بعض الوزارات.
ولكن يرى كثيرون أن وزارة المالية اعتمدت في رفع الدعم في الموازنة المقبلة على الإنتاج الوفير الذي تم تحقق في الموسم الشتوي الماضي للقمح.
ويبدو أن توقعات الوزير ذهبت في نفس الاتجاه للموسم القادم الذي بنى عليه آمالاً عريضة في تمزيق فاتورة القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي. وتشير بعض التقارير أن الحكومة تدعم القمح بمبلغ 1.5 مليار جنيه، وقد أثارت هذه النقطة خلافاً كبيراً خلال السنوات الماضية ولكنه برز هذا العام بصورة أكبر مدفوعاً بالانخفاض الحاد في أسعار السلع عالمياً.
الخرطوم : عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة