لماذا تحوَّلت إلى شخص نباتي؟
يمكن للعالم التعامل مع سبع مليارات أو حتى عشر مليارات من البشر، ولكن فقط إذا توقفنا عن أكل اللحم. إن تربية الماشية هي وسيلتنا الأنجع في زيادة وجودنا على هذا الكوكب. إلا أن حجم الأرض التي نحتاجها لإرضاء رغبات تناول اللحوم هي ما يدمر الأرض.
يوضح تحليل أجراه المزارع والباحث سايمون فيرلاي أن بوسع بريطانيا الاكتفاء الذاتي من الغذاء بسهولة بالاعتماد على نفسها فقط. لكن بينما سيحتاج نظام غذائي يحتوي على قدر معتدل من اللحم والألبان والبيض إلى 11 مليون هكتار من الأرض (4 مليون هكتار لا بد أن تكون صالحة للزراعة)، فإن نظام الغذاء النباتي سيحتاج إلى 3 مليون هكتار فقط. إن البشر ليسوا في حاجة للمرعى فقط، لكننا نستخدم الحبوب والبقول بكفاءة أكبر عندما نأكلها بأنفسنا، وذلك بدلاً من إطعامها للبقر والدجاج.
وسيتيح ذلك تنحية 15 مليون هكتار من الأرض تستخدم حاليًا للزراعة في بريطانيا جانبًا. ولو كان سكان الأرض من النباتيين، لأمكن لبريطانيا وحدها إطعام 200 مليون شخص. وبتطبيق هذه التجربة في بقية أنحاء العالم، فليس من الصعب أن نرى كيف يمكننا ببساطة أن نتقدم إذا ما توقفنا عن أكل اللحوم. إن بمقدور الغابات والسافانا والأراضي الرطبة والحياة البرية الشاسعة أن تعيش بجوارنا، ولكن ليس في وجود نظامنا الغذائي الحالي.
ولأننا فشلنا في إدراك ذلك من ناحية المساحة، فإننا نعتقد أنه بوسعنا حل المشكلات الأخلاقية الناتجة عن تناول اللحوم بالتحول من الإنتاج في المصانع إلى المراعي الحرة لإنتاج اللحوم والبيض. لا شيء أقرب إلى الحقيقة من ذلك. فالمراعي الحرة أكثر رفقًا بالماشية لكنها أكثر قسوة ببقية الأحياء في العالم.
عندما ينتقد الناس تربية الماشية، فدائمًا ما يستخدمون كلمة المكثفة. لكن تربية الماشية المكثفة، من اسمها، تسبب ضررًا أكبر بالكوكب، حيث تظهر حاجة إلى المزيد من الأراضي لتربية نفس القدر من الغذاء. فحفظ الماشية أو الأغنام في المزارع، سواء في الأمازون، والولايات المتحدة وأستراليا أو تلال بريطانيا، هو تدمير أكبر للكوكب من تربية اللحم البقري والخنازير.
وبمرور السنين، وبعدما أصبحت أكثر إدراكًا لتلك الحقائق المزعجة، تخلصت بشكل تدريجي من تناول اللحوم من نظامي الغذائي. لكني ما زلت أستهلك الحليب والبيض. كنت على علم بالآثار البيئية الوخيمة على المحاصيل (مثل الذرة وفول الصويا) التي يجري إطعامها للأبقار والدجاج. أعرف بشأن المخلفات وتغير المناخ وتلوث الهواء. لكن الطمع نال مني، فأنا عاشق للجبنة والزبادي والزبدة والبيض.
ثم حدث شيء هدم جدار الإنكار. في سبتمبر (أيلول) الماضي، جهزت نفسي لقضاء يوم بجوار نهر كالم في ديفون، المعروف بجمال طبيعته. لكن الامتداد الذي كنت أنوي استكشافه تقلص إلى مكب نفايات كريه الرائحة، ولم يعد ينبض بالحياة تقريبًا باستثناء بعض الفطريات. وقد تتبعت مصدر التلوث ووجدته قادما من مزارع الألبان. وقد أخبرني أحد السكان أن الكارثة تتطور منذ شهور. لكن جهوده للتواصل مع وكالة البيئة (المشرع الحكومي) لاتخاذ ما يلزم قد باءت بالفشل.
وقد قمت بنشر الصور التي التقطتها هنا في صحيفة الجارديان، وقد سببت جدلاً. إلا أن وكالة البيئة ما تزال ترفض التحرك. وقد كانت حججها منافية للعقل بشدة مما جعلني أشك بأن الأمر يتعدى مجرد انعدام الكفاءة. وبعد نشر مقال آخر حول هذه الكارثة، اتصل بي موظفان من الوكالة. وأخبراني بأنه قد صدرت تعليمات لهما بتجاهل كل الحوادث من هذا النوع. والسبب، حسبما يظنان، كان ضغطًا سياسيًا من الحكومة.
تساءلت مع نفسي، لماذا أدعم صناعة ترفض الحكومة وضع تشريعات تنظمها؟ منذ ذلك الحين، تخلصت تقريبًا من كافة المنتجات الحيوانية في نظامي الغذائي. ليس للأمر علاقة بالدين. لو كنتُ في منزل صديق لي، فلربما تحولت للمأكولات النباتية. ولو كنتُ بعيدًا عن المنزل، لوضعت القليل من الحليب في الشاي. ومرة كل أسبوعين، أتناول البيض على الإفطار، وربما مرة كل شهر أصطاد سمكة أو أتناول الرنجة أو الأنشوجة (إذا كنت تأكل السمك، فاعتبرهما من أدنى السلسلة الغذائية). وربما ثلاث أو أربع مرات في العام، أو في المناسبات الخاصة، أتناول اللحم، وذلك بسبب الطمع قليلاً، ولأنني لا أود أن أكون موضع التمحيص في المناسبة أكثر مما أكون عليه أصلاً. وهذا التغيير الطفيف، حسبما أظن، يقلل أيضًا من فرص الانتكاس.
ما زلت آكل الحيوانات المقتولة عندما أعثر عليها، حيث يجري قتل الحيوانات مثل الآفات الزراعية التي قد يجري إلقاء جثثها. في هذه اللحظة، وفي الوقت الذي يجري فيه قتل الحمام والغزلان والأرانب والسناجب بكثرة في هذا البلد لأغراض أخرى غير إنتاج اللحوم، فإن أكل الميتة يبدو بلا تأثير سلبي على البيئة.
وحتى مع هذا النوع من اللحوم، فما زالت تلك الوجبات نادرة في النظام الغذائي الخاص بي. تشير حساباتي إلى أن 97% من نظامي الغذائي نباتي. أنا أتناول الكثير من البقول والبذور والمكسرات والكثير جدًا من الخضروات. وهذا يدخلني ضمن دائرة نصف مليون شخص نباتي في بريطانيا، ولكن ليس بالضبط. وبالطبع، فإن هذه الاختيارات لها بدائل، لكنها أقل بكثير من تأثير اللحوم ومنتجات الألبان والبيض. والمفارقة هنا هي أنك لو أردت التقليل من تناول فول الصويا، فتناولها مباشرة، فأكل منتجات اللحوم يعني استهلاك الكثير من هذا المحصول، ولو بشكل غير مباشر. وتقريبًا يجري استخدام فول الصويا التي نمت مكان الغابات في إطعام الحيوانات. ويقلل استبدال اللحم بفول الصويا من نقاء النبات الطبيعي بنسبة 96% لكل كيلوجرام من البروتين.
بعد مرور عام تقريبًا على هذا النظام الغذائي، انخفض وزني من 76 كلغ إلى 69 كلغ. وأشعر أن حالي أفضل عما كنت عليه قبل سنوات، وقد اختفى نهمي للحوم. لم تعد الجبنة تغريني الآن أكثر من قطعة من شحم الخنزير. وقد اختفى الربو تقريبًا من عندي. وهناك أكثر من تفسير محتمل لذلك، لكني لن أتفاجأ لو كان للأمر علاقة بالتخلي عن استهلاك الألبان، وقد أصبحت الآن مضطرًا للتفكير مليًا بشأن ما يتعين علي طبخه، لكنه ليس بالأمر السيء.
إن تناول اللحوم مرتبط بشدة بالصور التقليدية للذكورة، وبعض الناس يشعرون بالتهديد من قبل أولئك الذين يتوقفون عن تناول اللحوم. لقد اقترحت سياسية إيطالية سن تشريع يسمح بسجن الآباء الذين يفرضون نظامًا غذائيًا نباتيًا على أطفالهم، إذا تسبب لهم ذلك في المعاناة من سوء التغذية. والمثير للفضول هو أنها فشلت في اقتراح نفس العقوبة على من يربون أطفالهم على تناول الرقائق والنقانق.
التقيت مصادفة، في احتفال في الصيف الحالي، بالرجل الذي حاول إقناع وكالة البيئة باتخاذ إجراءات فيما يخص نهر كالم. فأخبرني أن الحال لم يتغير. عندما يكون هناك مفاضلة بين عالم الأحياء ومجموعات الضغط ذات النفوذ القوي، فإن معظم الحكومات تفضل الانحياز إلى الأخيرة. لكن بوسعنا سحب دعمنا لهذا الفساد. إذا ما جربت هذا البديل، فلا أحسبك ستندم.
ساسة بوست